لا تختلفوا فتختلف قلوبكم




هل تعبدنا الله بالنصوص أم بمقاصدها ؟
يقول  أ.د. صلاح سلطان
لقد صدر من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الصحابة أمر قطعي الدلالة والثبوت: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" ولم يمنع ذلك من اجتهاد الصحابة في هذا النص القطعي فصلى بعضهم في الطريق لأنهم فهموا أن المقصد من الأمر ليس ظاهره وإنما مقصده وهو الإسراع في مباغتة الخونة من بني قريظة فصلوا في الطريق وبقي آخرون ملتزمين بظاهر النص فصلوا العصر في بني قريظة بعد فوات وقته لكن من أدب الصحابة العالي وفقههم السامي أن أحدًا لم يخاصم الآخر ولم ينكر أحد منهم على أحد ولم ينشغلوا بأمر فرعي عن هدف كلي وهو وحدة الصف ومواجهة الأعداء وقد صوب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفريقين بما يؤسس لقبول المدرستين مدرسة المقاصد ومدرسة الظاهر وقد أجاد ابن القيم في تحليل هذه الواقعة في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين بقوله: "أما الذين صلوا في الطريق فهم سلف أهل المعاني والقياس وأما الذين صلوا في بني قريظة فهم سلف أهل الظاهر".
والذي يبدوا لي يقينًا أن الجماعات الإسلامية والتيارات الفكرية اليوم أحوج ما تكون إلى هذه المنهجية .
انتهى كلام الدكتور صلاح سلطان  ....
قوله : وقد صوب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفريقين بما يؤسس لقبول المدرستين، مدرسة المقاصد ومدرسة الظاهر
كلام غير صحيح ، فليس في الحديث إلا أنه لم يعنف أحدًا من الفريقين  وليس في هذا دلالة على صحة فعل الفريقين كما سننقل أقوال أهل العلم في ذلك بعد قليل  ولذلك أختلف العلماء في أي الطائفتين كان أصوب من الآخر ؟
قال الإمام ابن كثير رحمه الله :
(( وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو ؟ ))
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
((واختلف الفقهاء أيهما كان أصوب ؟ فقالت طائفة : الذين
أخروها هم المصيبون ولو كنا معهم لأخرناها كما أخروها ولما صليناها إلا في بني قريظة امتثالا لأمره وتركًا للتأويل المخالف للظاهر.وقالت طائفة أخرى : بل الذين صلوها في الطريق في وقتها حازوا قصب السبق وكانوا أسعد بالفضيلتين فإنهم بادروا إلى امتثال أمره في الخروج وبادروا إلى مرضاته في الصلاة في وقتها ثم بادروا إلى اللحاق بالقوم فحازوا فضيلة الجهاد وفضيلة الصلاة في وقتها)) وليس معنى ترك النبي تعنيف أحد الفريقين تصويب فعله  ولكن ترك التعنيف في هذا الوقت لكون كلا الفريقين قد اجتهد  فمن أصاب حصل على أجرين  ومن أخطأ حصل على أجر واحد فكيف يعنف من أجر ؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
((الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد فيستفاد منه عدم تأثيمه... وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدا من الطائفتين فلو كان هناك إثم لعنف من أثم ))
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله :
(( ترك التثريب لمن قد عمل باجتهاده لا يدل على أنه قد أصاب الحق بل يدل على أنه قد أجزأه ما عمله باجتهاده وصح صدوره عنه لكونه قد بذل وسعه في تحري الحق وذلك لا يستلزم أن يكون هو الحق الذي طلبه الله من عباده وفرق بين الإصابة والصواب فإن إصابة الحق هو الموافقة بخلاف الصواب فإنه قد يطلق على من أخطأ الحق ولم يصبه من حيث كونه قد فعل ما كلف به واستحق الأجر عليه وإن لم يكن مصيبا للحق وموافقا له وإذا عرفت هذا حق معرفته لم تحتج إلى زيادة عليه )).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
((ليس في الحديث إلا أنه لم يعنف واحدا منهم وهذا يتفق تمامًا مع حديث الاجتهاد المعروف  وفيه أن من اجتهد فأخطأ فله أجر واحد  فكيف يعقل أن يعنف من أجر ؟! وأما حمل الحديث على الإقرار للخلاف فهو باطل لمخالفته للنصوص القاطعة الآمرة بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف .. )) فكلام أهل العلم واضح في أن ترك التعنيف لم يكن لصحة الفعل وإنما كان لبذل الوسع والاجتهاد في الوصول إلى الحق  وكما هو معلوم أن من فعل ذلك وأخطأ فله أجر الاجتهاد فكيف يعنف ؟ نقلا من كتاب الإنصاف في نقد فقه الخلاف
واقول :  ملاحظة هامة في حال الصحابة رضوان الله عنهم
·      انهم كلهم ارادوا تطبيق النص والحكم الشرعي
     ولكن تعارض عندهم نصان
         1- الأول الأمر بالصلاة في وقتها
         2- الأمر بالصلاة في بني قريظة
             وهنا ساغ الإجتهاد في معرفة مراد الشرع
             فمن صلى في الوقت قبل بني قريضة اخذ بالنص الاول
             ومن اخر الصلاة وصلى في بني قريضة أخذ بالنص الثاني
             لكن من اعرض عن كل النصوص فحقه ان يهان ولا يكرم  
             والتقديم والإكرام لمتبع النص وليس للمعرض عنه
             فمثلا عندما يهنيء الإخوان النصارى بعيدهم الوثني والذي
             يتضمن اقراراهم  بالاوثان فليس هناك نص يتبعونه وانما
             يتبعون الهوى
·      وقياس خلافات الجماعات كالإخوان والسلفيين على خلاف فهم الصحابة لحديث لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة قياس فاسد فالصحابة لم يختلفوا على حكم تهنئة النصارى بعيد كفري ولم يختلفوا على حرمة المسلسلات التي فيها نساء متبرجات ولم يقولوا أن خلافنا مع النصارى ليس عقائدي .
وقول د. صلاح سلطان :  ولم ينشغلوا بأمر فرعي عن هدف كلي وهو وحدة الصف ومواجهة الأعداء وقد صوب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفريقين بما يؤسس لقبول المدرستين مدرسة المقاصد ومدرسة الظاهر وقد أجاد ابن القيم في تحليل هذه الواقعة في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين بقوله: "أما الذين صلوا في الطريق فهم سلف أهل المعاني والقياس وأما الذين صلوا في بني قريظة فهم سلف أهل الظاهر".
والذي يبدوا لي يقينًا أن الجماعات الإسلامية والتيارات الفكرية اليوم أحوج ما تكون إلى هذه المنهجية.   .... انتهى كلامه ...
والتعليق على ذلك : اولا : الهدف الأول هو تطبيق النص والحكم الشرعي وليس وحدة الصف فهناك اناس كانوا يعيشون معهم لم يهتموا بالوحدة معهم ولكن نابذوهم العداء فيكون وحدة الصف هدف ثانوي بعد الإيمان بالله والتسليم له فاذا تعارضا قدم الاسلام والإيمان وهذا هو حالنا مع فرق كثيرة منذ عصور بعيدة فالفرقة التي لا تقوم على اساس النص الرباني سواء اية من القران او حديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فرقة ضالة ومبتدعة لا متبعة فعندما يبدأ نقض الاسلام بنقض الحكم بالشريعة كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلا نص يامر بنقض الدين ولا يقبل ممن يحكم بالقوانين الوضعية مثلا اي تأويل بعد ان نقل الإجماع على كفر من فعل ذلك وقس عليه كفريات كثيرة تعج بها الساحة ثم يقال اجتمع مع اهل الضلال بل من النصح لله ولدينه وللمؤمنين بيان ضلال الضالين وزيغ الهالكين ليحذر منه العامي وينجو من نجا عن بينة ويهلك من هلك عن بينة .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )
ففرق كبير بين اختلاف ناتج عن فهم النصوص واختلاف ناتج عن إعراض البعض عن النصوص
الصحابة حين اختلفوا في العمل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في فهم المراد من النص فهو إما تخصيص للأمر بأداء الصلاة في وقتها فيكون واقعة عين أو هو سياق يراد به الحث على الإسراع فالخلاف في حقيقته خلاف في دلالة النص ولا مدخل للرأي فيه فلو كان الأمر مرجعه إلى المقاصد والرأي والمصلحة لكان الأمر معكوسا فكان أهل الرأي والمصلحة هم الذين لا يتوقفون للصلاة فالمصلحة والمقصد والرأي ومراد النبي أصلا هو سرعة الوصول لبني قريظة وهذا لا يتحقق إلا بترك الصلاة في الطريق فهم قدموا النصوص الآمرة بأداء الصلاة على وقتها ولم يراعوا المقصد والمصلحة الظاهرة من النص وعليه أيضا يكون الفريق الآخر وهم من لم يصل حتى يصل بني قريظة هو من راعى المقاصد والمصلحة وعمل بهذا الأمر مع مخالفته للأصل الثابت بأداء الصلاة لوقتها .. هذه واحدة
الثانية أن الإخوان لا يعتمدون لا هذه الطريقة ولا تلك إنما يعتمدون الفقه الانتقائي الذي لا يجتهد في طلب المراد من النص إنما يجتهد في طلب ما يتقبله الناس من الأقوال بدافع تحقيق المصلحة والعمل بمقاصد الشريعة العامة وإن خالفت النص الخاص ويتبين ذلك في نفس القصة فالإخوان وفقهاء مدرسة المقاصد والمصالح لو كانوا حضورا لما نظروا إلى النص طلبا لدلالته بل إلى حال المكلفين فإن وجدوا بهم نشاطا للسير وهمة للاستمرار قالوا لا نصلي حتى نصل والمقصد والمصلحة في الوصول إليهم بأسرع وقت وإن وجدوا بهم جهدا وإرهاقا قالوا نصلي الصلاة لوقتها والمقصد والمصلحة في الوصول إليهم ونحن في نشاط وراحة .
فصورة العمل واحدة
لكن الطريق في الوصول إليها مختلف فالصحابة اجتهدوا في فهم المراد من النص ومدرسة المقاصد تجتهد في طلب ما يتفق مع حال الناس .
وهذا المعنى تراه مبثوثا في فتاواهم
فالغزالي يقول:
والمرأة في أوروبا تباشر زواجها بنفسها ولها شخصيتها التي لا تتنازل عنها وليست مهمتنا أن نفرض على الأوربيين مع أركان الإسلام رأي مالك أو ابن حنبل إذا كان رأي أبي حنيفة أقرب إلى مشاربهم فإن هذا تنطعا أو صدا عن سبيل الله.
وهذا مسلك خطير جدا
أن تعرض الإسلام على كل بلد بما يوافق أهوائهم
فيكون العالم ما هو إلا خبير بأقوال الفقهاء ينتقي منها ما يرضي الناس
وهذا يسلب الدين روحه ومعناه
ولا يبقى من العبودية شيء
فالمسألة ليست إلا مراعاة ما عليه الناس
والله يهدينا سواء السبيل
--------------------------------------------------------------------

فى حال الخلاف فى الرأى 
كيف يكون الرد على من أخطأ
من المشايخ والعلماء
===================================================
يستنكر بعض الناس الرد على اقوال  المشاهير التى جانبوا فيها الصواب على الاقل من وجهة نظر الراد فترى دائما الذين يعلمون والذين لا يعلمون يطالبون بأن تجعل الرد خفى بينك وبين المردود عليه ... ولكى نبين خطأ هذا القول وأن من يقول بذلك لم ينطلق لا من آية من كتاب الله عز وجل ولا من سنة النبى صلى الله عليه وسلم ولا من سيرة أصحابه رضوان الله تعالى عليهم وإنما هو ميل قلبى ألا يخطئ المشاهير ولهذا يقول ما قال ولبيان ذلك اقول :
إن ذكر الرد على صاحب الخطأ وايصال الرد إليه شخصيا ليس بواجب ولا بلازم ولا يدل على ذلك دليل من كتاب الله عز وجل ولا من سنة النبى صلى الله عليه وسلم بل الادلة على خلاف هذا ... وقد أخذ النبى صلى الله عليه وسلم البيعة من أصحابه على أن يخلصوا النصح لكل مسلم  فالذين سمعوا الاقاويل المخالفة للكتاب والسنة كان لزاما على الناصح أن يوصل الرد إليهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول والنصح لكل مسلم لم يخص بهذا  رجلا دون غيره وفى الصحيح وغيره  : الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فهذه الأربع لا علاقة لها بمن اخطأ  فالنصح لله عز وجل يقتضى أن يبين المرؤ الصواب للناس لأن هذا هو مراد الله عز وجل : هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ليكون الدين ظاهرا وليس سرا .... والنصح لكتاب الله عزو وجل أن يرفع عنه الخطأ علنا جهارا نهارا كما نسب إليه الخطأ  .... وكذا النصح للنبى صلى الله عليه وسلم ولسنته والنصح لعموم الناس الذين سمعوا ماهو مخالف فمن تمام ايمان المرؤ أن يوصل إليهم الصواب كما وصل إليهم الخطأ وقد دل على هذا عدة أدلة :
اولا :  لقد جرت من نبينا صلى الله عليه وسلم أمور عاتبه فيها رب العالمين فهل جعل عتابه له سرا  ؟ .. هل عاتبه فيما بينه وبينه سرا  أم جعل العتاب قرآنا يتلى إلى قيام الساعة ؟  فما زال الناس يقرأون قول الله عز وجل : ( يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم )  لماذا لم يعاتب الله نبيه سرا  فيوحى إليه فيصلح النبى ما فعل  دون أن يدرى أحد .... هذا هو مراد الناس : إذا تكلم شيخ مشهور فأخطأ اذكر له خطأه سرا .. أى حتى لا يعلم الناس أن فلانا قد أخطأ  .. وهو يرجع من قبل نفسه .. ولكن لا يظهر أمام الناس أنه أخطأ ورد عليه غيره ... فهذه النصوص علام تدل ..؟  والله سبحانه وتعالى  قادر حليم رحيم ودود غفور  لماذا لم ينصح نبيه سرا  ؟  لأن فائدة الاعلان تصل لكل مسلم  فأعلن الله عز وجل هذا لعموم الناس ... وما زلنا نقرأ قول الله عز وجل لنبيه فى قصة زواجه من ذينب رضى الله عنها يقول الله عز وجل له : ( وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )  أفلا يقال ربما ظن بعض الناس أن نبينا لا يخشى ربه ... لماذا يقال فى قرآن يتلى : ( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ؟ ولنتأمل ذلك ونسأل :  أيكون عرض أى رجل من اهل العلم فى زماننا أو فى أى زمان فوق نبينا صلى الله عليه وسلم ؟  فهل لو كان الرد جهارا نهارا من الخطأ أكان يفعل مع النبى صلى الله عليه وسلم الذى كرمه ربه بأنواع الكرامات حتى لم يكن يناديه باسمه المجرد وكان يقول له إكراما يا أيها النبى يا ايها الرسول  .... فهذا لون من الأدلة ظاهر لمن كان له قلب يعقل ويتدبر .. وهذا وحده كاف لقطع هذه الشبهه .
ثانيا : مضت سنة النبى صلى الله عليه وسلم على هذا السنن ففى الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضى الله عنها  أن جريرة رضى الله عنها أتت عائشة رضى الله عنها تستعين بها فىكتابتها ( أى عتقها ) فقالت لها عائشة إن شاء أهلك أن اعدها لهم ويكون ولاؤك لى  فأخبرت جريرة أهلها فأبوا  وقالوا إما أن تحتسب ويكون الولاء لنا  فأخبرت بذلك عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وقال قبل ذلك لعائشة ابتاعيها واعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم صعد المنبر فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا  ليست فى كتاب الله عز وجل ... من اشترط  شرطا ليس فى كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط  .... فها هو النبى صلى الله عليه وسلم  يعلم أن أهل جريرة أخطأوا فى حكمهم  فهلا أرسل إليهم سرا  ؟  لماذا صعد المنبر ليقول كلاما عاما لعامة المسلمين .. وانما جرى الكلام بين عائشة وجريرة وأهلها  ... لماذا عمم هذا لعموم الناس  ؟   لبيان الباب الذى اوجل عليه وهو النصح لكل مسلم  وبيان الخطأ ليكون عاما فقد يقع فى مثل هذا الخطأ غير أهل جريرة  ... فهذه  سنته صلى الله عليه وسلم  ولم يراسلهم .. وإنما صعد المنبر ابتداء ليذكر ما أوجبه الله عليه من الحق  .
وفى الصحيحين أيضا : ( أن النبى صلى الله عليه وسلم  صعد المنبر يوما ثم قال : إن بنى هشام بن المغيرة استأذنونى فى أن ينكحوا ابنتهم على بن ابى طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن  إلا أن يريد ابن ابى طالب أن يطلق ابنتى وينكح ابنتهم  .. إنما فاطمة بضعة منى يريبنى ما رابها ويؤذينى ما آذاها .. أما وإنى لست أحل حراما ولا أحرم حلالا ولكن والله لا تجتمع بنت نبى الله وبنت عدو الله عند رجل ..)   لما استأذن بنو هشام رسول الله لماذا لم يذكر لهم جوابه سرا ..؟  لماذا لم يرسل إلى على فيخبره بما أراد لماذا أعلن هذا للناس .. ؟  أليس فيه من جانب على ما فيه ؟  ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية فى الصواب وفى  رد الاقوال المخالفة لماذا أعلن وصرح  ؟  لأن هذا حكم شرعى ينبغى أن يذاع فى الناس وألا يكون سرا
وكذا فى الحديث المشهور : لما سأل الثلاثة من اصحاب النبى عن عبادته ... فإنه صعد المنبر ليعلم الناس خطأ اولئك وكانوا معروفين للصحابة بأسماءهم  وقد ذكرت فى الروايات .. ما كانوا مجاهيل ... فهذه سنته صلى الله عليه وسلم  وكذا سار أصحابه .. إذا بلغهم القول من الخطأ ردوه على قائله فى أى مجلس كانوا  ولا يتكلفون ايصال الرد اليه ولم يخاطبه احد بمثل هذا الاعتراض
ففى الصحيحين وغيرهما : ( أن عليا رضى الله عنه أوتى بزنادقة  وقالوا له انت انت وهم السبئية الذين سجدوا له وقالوا لعلى انت انت أى يقصدون انت الله فخدد على  رضى الله عنه الأخاديد وحرقهم  فلما بلغ ابن عباس فعل على رضى الله عنه أنكره وقال لو كنت انا لقتلتهم لقول النبى صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه ولو كنت انا ما أحرقتهم بالنار لقول النبى صلى الله عليه وسلم  : لا تعذبوا بعذاب الله فبلغ عليا قوله فقال صدق ابن عباس وفى رواية ما أوقفه على الهامات ... فانت ترى أن ابن عباس لما وصله فعل على أنكره فى المجلس الذى هو فيه .. لأن فعل على صار مشهورا  فربما يتصور الناس أن إحراق الناس بالنار جائز  فأراد ابن عباس أن يرد عليه حماية للسنة وزودا عن حياض الشريعة ... هكذا كانوا رضى الله عنه يبالغون فى رد الاقوال المخالفة ولا يلتفتون إلى شئ  ولا إلى ايصال الرد إلى المخطئ  بل يصدعون بما يعلمون
وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما  من حديث عائشة رضى الله عنها : ( أنها بلغها أن ابن عمرو ( عبدالله بن عمرو بن العاص ) رضى الله عنهما  يفتى النساء أن ينقضن شعورهن إذا اغتسلن  فقالت عائشة رضى الله عنها : يا عجبا لابن عمرو هذا افلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت اغتسل انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد  فما أزيد على أن اغترف ثلاث غرفات على رأسى )  فهل أوصلت عائشة الرد إلى ابن عمر ؟  هل  سكتت ؟  ثم كتبت إليه سرا حتى يتراجع هو ؟  أم ذكرت هذا العلم للناس حتى يزيع أمره  وينتشر قول الحق  ؟؟  هكذا كانوا
وقد بلغها رضى الله عنها أن ابن عمر واباه يقولون إن الميت يعذب ببكاء الحى فقالت والله ما قال النبى هذا  ..  إنكم  لتحدثون عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطئ ..  أين ردت عائشة هل قالت هذا عمر وابنه  ... هل ارسلت خادما  ... هل راسلت عمر سرا  ؟  إنما  صدعت بما تعلم من الحق ... نصحا لله ولرسوله ولعامة الناس هكذا مضوا وهكذا تخلفنا عنهم ... بل كانوا يغلظون فى الرد كما فى الصحيح أن عمر رضى الله عنه بلغه أن سمرة بن جندب باع خمرا فقال قاتل الله سمرة  ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرم الله عليهم شحوم الميتة فجملوها ثم باعوها  فاكلوا ثمنها  .... متى أنكر عمر ؟ هل راسل سمره  ؟؟؟ بل أنكر فى المجلس الذى هو فيه علنا ولم يرسل الرد سرا  رعاية لجناب سمره ... إنما رد رعاية للشريعة وعلما منه ومن غيره أن الخطأ يجوز على كل أحد  ... ولأن ينسب الخطأ إلى معين خير من أن ينسب الخطأ إلى الشريعة  ..  فإنما هى الشريعة أو الناس ... فاختاروا الشرع فإنه باق.
أما افراد الأمه فإن الله عز وجل يغفر لهم خطأهم إذا اجتهدوا وأفرغوا الوسع  وقد يكون لأحدهم  من الحسنات الماحيات ما يستدرك به الخطأ  ... أما الشريعة فهى دين الاسلام وهى شرع النبى صلى الله عليه وسلم  ... فهذا  سبيل نبينا وأصحابه كانوا يردون الخطأ على قائله وينشرون  المقالة فى الناس نصحا لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم  فجاء المتأخرون فأجملوا النصح كله فجعلوه لشخص الراد فقط  ... ولا ينصح المخطئ إلا سرا حتى يظل جانبه موفورا  وشهرته موفرة كاملة وليس هذا من دين الله عز وجل بل هو أبعد شئ منه
وقد روى البخارى فى صحيحه : عن معاوية رضى الله عنه أن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما يقول ويحدث الناس أنه سيكون ملك من قحطان فغضب معاوية فقام فأثنى على الله بما هو أهله وقال أما بعد فإنه بلغنى أن رجالا منكم يحدثون بأحاديث ليست فى كتاب الله عز وجل ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واولئك جهالكم فإياكم والأناوى التى تضل أهلها فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله فى النار على وجهه ما أقاموا الدين ..... فانت ترى أن معاوية بلغه قول عبد الله بن عمرو وهو من هو .. وهو يعلم القائل سيكون ملك من قحطان  فهذا قد يجرئ الناس على الخروج على قريش وكان معاوية عنده من رسول الله علم فلم يرسل إلى عبد الله وهو امير المؤمنين ولم يكتب إليه سرا لأن مقالة ابن عمر بلغت الناس ... ليس من العدل أن يخرج رجل يتكلم على الملايين ثم يرد عليه سرا بأوراق ربما قرأها وطواها   فقام معاوية فى الناس خطيبا وقال أما بعد فإنه بلغنى أن رجالا منكم ولم يسمه  ولم يقل إن ابن عمرو ولم يقل إن صحابيا  ثم اراد أن يبين الخطأ فاختار عبارات دقيقة يحدث بأحاديث ليست فى كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله .... فما معنى هذا ؟ ألا يكفى معاوية أن يقول على المنبر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذا الامر فى قريش  ؟   ولكنه بالغ فى  الرد حتى أغلظ لابن عمرو  ... يحدث بأحاديث ليست فى الكتاب ولا فى السنة هذا جاهل ... وقالها صراحه اولئك جهالكم فهل كان معاوية طاعنا فى ابن عمرو .. ؟
فيا أيها الذين تعتبرون الرد طعنا وأكلا للحوم العلماء المسمومة : هل كان الصحابى الجليل طعانا  ؟  ألم يكن معاوية يعرف ابن عمرو ؟  ايقال لمعاوية  رد عليه خطأه ولا تنتقص من قدره  ...  ألا تتعلمون من الصحابة رضى الله عنهم ..  أم لكم سلف غير اصحاب النبى .. ؟  إن معاوية لم يراع ابن عمر ولكنه راعى سنة النبى صلى الله عليه وسلم  وهكذا كان أصحابه .. كانوا يغلظون فى الرد رعاية للشريعة .. لا يراعون الأفراد ... ولكننا فى  دين يراعى الرجال اكثر من رعاية الشريعة
فى الصحيحين أن عمران بن حصين رضى الله عنه قال فى مجلس أن المتعة انزلت فى كتاب الله عز وجل ... والمتعة أن يقوم الرجل بالعمرة فى زمان الحج وكان عمر رضى الله عنه ينهى عن ذلك  فقال عمران للناس ( ولم يقل لعمر رضى الله عنه ) إن المتعة أنزلت فى كتاب الله عز وجل وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها رسول الله حتى مات .... قال رجل برأيه ما شاء ... انظر ماذا يقول عن عمر  ... يقول : قال رجل .. لم يقل قال أمير المؤمنين ولم يقل قال عمر .. لأنه أمام الشريعة .. لكن لو أن رجلا اليوم رد مبينا خطأ من  بعض المشاهير فقال قال رجل فى الفضائيات لاعتبروه  طاعنا جارحا متنقصا آكلا للحوم العلماء المسمومة ... ولكن عمران لم يراعى عمر وما عمر أمام الشرع ... ؟
ألم تسمعو ربكم يقول : وإذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس .. ؟؟؟
روى الامام مسلم فى صحيحه قصة افتاء ابن عباس فى نكاح المتعة ... كان هذا الامر فى أول الاسلام ثم نسخ ... كان للرجل أن يتزوج المرأة الليلة والساعة والليالى يتمتع بها ثم يفارقها ثم نسخه الله تعالى فظل ابن عباس يفتى بعد وفاة رسول الله بجوازه ... فبلغ الصحابة قوله فغلظوا له حتى قام ابن الزبير خطيبا بمكة وكان ابن عباس قد عمى بصره وابن عباس فى المجلس فقام ابن الزبير وقال إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة فناداه ابن عباس إنك لجلف جاف لقد كانت تفعل فى زمان إمام المتقين فقال له ابن الزبير جرب ( أى تزوج متعة ) ولأرجمنك بأحجارك وبلغ عليا قول ابن عباس فقال ذاك امرؤ تائه ( أى ضال )  هكذا كانوا  حتى بلغ ابن عباس أن نوف البكالى يقول إن موسى الخضر ليس هو موسى بنى اسرائيل قال كذب عدو الله  ولم يراسله سرا  .... إنها الشريعة التى يدافعون عنها مع معرفتهم بأقدار الناس  فهل يراعى المرؤ أخاه إذا انتقص حق أبيه ... إنما يراعى الأب دون الأخ  فيجب مراعاة الشريعة أكثر من مراعاة الأفراد وهذا دين الإسلام  ... ولكننا وصلنا إلى حالة فريدة  أن يتكلم المرؤ بما يحب قبل أن يقف مع نفسه ثم يسأل نفسه سؤالا أله دليل على ما يقول ولكن  تنطلق ألستنا بدون تعريج على أدلة ينشرح الصدر بمثل هذا القول ولو كان فيه من طمس معالم الشريعة ما فيه
إن حماية الشريعة أصل الأصول عند سلفنا الصالح ما كانوا يراعون فيه أحدا قريبا أو بعيدا ولا عدوا ولا حبيبا  ولكل مقام مقال فإن كان المقام يقتضى الرد بالرفق فعلوا وإن كان المقام يقتضى الغلظة اغلظوا ...  ولكن الناس اليوم لا يهمهم إلا شيوخهم  ومقامهم  ومراعاة الناس أصحاب المناصب الكبرى وقديما نطق سعد زغلول كفرا  ولم يرد عليه أحد احتراما لمقام سعد وكذلك الآن ظهر التشيع وانتشر فى بلادنا ولا ينتقد أحد ... رئيس تونس بعد الثورة يقول : لن تكون الشريعة من مصادر التشريع فهل رد عليه أحد هل أهانه أحد .. لا والله بل استقبلناه استقبال الفاتحين وحافظنا على مشاعره وأهدرنا  الشريعة  ولم نغار عليها وليبق الشيوخ والعلماء والرؤساء ولتبارك الثورات وأما الشريعة فلا بواكى لها .
وقد كان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يصدعون بالقول الغليظ أمام النبى صلى الله عليه وسلم كما قال عمر بحضرة النبى عن حاطب : دعنى أضرب عنق هذا المنافق ولم يقل له النبى صلى الله عليه وسلم طعنت فيه ولا تنقصت من قدره لأنه يعلم إنما حمله الغيرة على كتاب الله وعلى دينه .. ولكننا الآن لا هم لنا إلا الشيوخ ... الرجال فحسب ... أما الشريعة .. فما علينا .  لن ينصر الله قوما  إلا إذا جعلوا الشرع أصلا عندهم ... فنعادى كل من عاداه الشرع من الناس كلهم  ولو كانوا أحب الناس .... إن الله لا ينصر إلا من ينصره  والله أعلم بقلوبكم  فلير الله من قلوبنا  حفظ شرعه وحماية دينه وصيانة سنة النبى صلى الله عليه وسلم ... إن شرع الله عز وجل وصل لنا على أجساد أناس ضحوا بمالهم وبأرواحهم حتى وصل إلينا فلا تضيع الشرع لأجل اقوام لعل الله لا يباليهم ابدا ...

ليست هناك تعليقات: