العلمانية

إسلاميون علمانيون


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه .. ثم أما بعد . .
       العلمانيَّةُ تعني فصل الدين عن الدولة والسياسة وميادين القيادة والحياة .. وحصر مهام وغايات ووظائف الدين في زوايا المعابد والكنائس والمساجد لتقتصر على الحياة الدينية الخاصة للفرد بعيداً عن ميادين وأنشطة الحياة الأخرى .. أي أن الدين مقصورة مهامه ووظائفه على علاقة الفرد بربه وحسب وحصر حق الله على العباد في ممارسة الفرد المناسك والشعائر التعبدية بعيداً عن ميادين الدولة والسياسة وشؤون الحياة الأخرى .. فقالوا : لله زوايا المعابد والمساجد وعبادة الأفراد لربهم في تلك الزوايا وحسب .. وما سوى ذلك من شؤون الحكم والدولة والسياسة ومظاهر الحياة فهي كلها لقيصر .. ومن خصوصيات قيصر وحده .. وما كان لقيصر لا يصل إلى الله وليس لله الحق في أن يتدخل فيه .. وما كان لله يصل لقيصر ولقيصر كامل الحق في التدخل فيه منعاً وحظراً وإباحة لو شاء [ لذا في كثير من الأحيان نجد أن قيصر وجنده  يتدخلون في أنشطة المساجد وفي كلمات الوعاظ فيها .. وفي أوقات فتحها وإغلاقها .. وفى من يدخل إليها ويخرج منها .. فنصبوا فيها الكاميرات والجواسيس ليتجسسوا على ركوع وسجود العباد .. فحتى المساجد في شريعة قياصرة العصر العلمانيين لم تعد خالصة لله تعالى.
   وقيصر ليست صورته مقصورة على قياصرة الإمبراطوريات القديمة وحسب ـ كما يُخيل للبعض ـ وإنما هي تشمل كذلك جميع معاني وصور حاكمية البشر ـ بعيداً عن الحكم بما أنزل الله ـ في جميع صورها الديكتاتورية والديمقراطية سواء .. فقد يكون قيصر فرداً واحداً كما في الصورة الديكتاتورية وقد يكون مجموعة أفراد كما في الصورة الديمقراطية ].
     وصدق الله العظيم : (فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ -- الأنعام:136 )
   والعلمانية من حيث التطرف والاعتدال درجات فكلما جنحت العلمانية إلى منع مظاهر التدين في الحياة العامة للفرد كلما كانت أقرب للتطرف والتشدد وكلما جنحت للتسامح مع الأفراد في أن تظهر عليهم وعلى سلوكياتهم العامة معالم التدين كلما كانت أقرب للاعتدال .. لكنها في النهاية تبقى علمانية .. لأن العلمانية مهما بلغت بها درجة التسامح فهي تشترك مع العلمانية المتطرفة في كونها لا تسمح للدين أن تكون له كلمة في شؤون الدولة والحكم والتشريع والسياسة وشؤون الحياة .. كما لا تسمح أن تكون العلاقة فيم بين الشعوب قائمة على أساس انتماءاتهم العقدية والدينية والأخلاقية .. فالعلمانية كما أنها تغيب الدين عن ميادين الدولة والحكم والسياسة .. فهي كذلك تغيب الدين ـ عن ساحة الشعور والاعتقاد والواقع ـ كوشيجة يُعقَد فيها الولاء والبراء والحقوق والواجبات .. لتجعل ذلك مقصوراً على الانتماء إلى القبيلة أو الوطن أو القومية أو الإنسانية والأممية .. بعيداً عن القيم الدينية والأخلاقية .. فالعلمانية ـ من هذا الوجه ـ تمنع من عقد الولاء والبراء على أساس الانتماء للعقائد والمبادئ والقيم الأخلاقية .. لتجعل ذلك مقصوراً محصوراً على الانتماء للجمادات والحدود الجغرافية التي تجمع شعباً من الشعوب ضمن سياج واحد وحدود واحدة .. قد تتسع هذه الحدود لقبيلة أو لأهل قطر أو لمجموعة أقطار .. وبتعبير أصرح وأوضح تقول لك العلمانية وبكل وقاحة : لا يجوز لك أن تحب وتكره في الله ولا أن تعقد الولاء والبراء في الله .. ولا أن تعطي وتمنع في الله .. فهذا ليس لله .. ولا يجوز أن يُصرَف شيء من ذلك لله .. وإنما هذا كله يُصرَف لغير الله أياً كان هذا الغير قد يكون هذا الغير قبيلة أو أرضاً أو قِطراً أو قوماً أو وطناً أو حِزباً أو حاكماً أو درهماً  .. فلك أن تختار من هذا الغير ـ لتعقد فيه الولاء والبراء والحب والكره وتحدد على أساس الانتماء إليه طريقة تعاملك مع الآخرين ـ ما تشاء .. لكن لا يجوز لك أن تختار الله ... الذي خلقك فسواك فعدَلَك وتكَفّل برزقِك[ العلمانية كمنهج في الحكم، تقوم على جملة من الاعتقادات والمفاهيم والقيم، والتصورات تعتبر ـ وفق مفهوم ومعنى الدين والتدين ـ ديناً .. لكنها دين وضعي من صنيع البشر .. وبالتالي فهي تفر من دين إلى دين .. وهي إذ تعلن الحرب على الديانات السماوية .. وتعمل على إخراج العباد من دين رب العباد .. فهي في المقابل تعمل على إدخالهم في دين العلمانية والعلمانيين .. فتستبدل ديناً بدين .. واعتقاداً باعتقاد .. ومنهجاً بمنهج .. فيكون مثلها ـ ومثل القائلين بها ـ كمثل من يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير! ].
    هذه هي العلمانية، فمن هم العلمانيون ..؟
       العلمانيون هم الذين يتبنون العلمانية ـ كما هو مبين أعلاه ـ قولاً وعملاً .. فالمرء منهم على قدر ما يفصل الدين عن ميادين الدولة والقيادة والسياسة والحياة .. ويمنع للدين أن يكون له ذلك الأثر في علاقة الناس بعضهم ببعض .. على قدر ما يكون أكثر علمانية .. وأقرب للعلمانية منه لأي مذهب أو اعتقاد آخر .. فكما أن العلمانية درجات بعضها أقرب للتطرف منها للاعتدال .. كذلك العلمانيون فهم درجات بعضهم أقرب للتطرف منهم للاعتدال .. لكن مهما اتسموا بالاعتدال فهم لا يخرجون عن صفة كونهم علمانيين .. يفصلون الدين عن الدولة والسياسة وقيادة الحياة .
أين كثير من مشايخ ودعاة هذا العصر من هذا الفهم للعلمانية ..؟ 
نحن هنا لا نعمم ـ فالتعميم ظلم نعوذ بالله منه ـ فمن أهل العلم المعاصرين من هم على خير كثير ولله الحمد ].
       كثير من شيوخ ودعاة العصر قد تأثروا بالعلمانية المحيطة بهم والتي حكمت البلاد والعباد ـ تحت مسميات وشعارات عدة ـ لأكثر من مائة عام .. فهم وإن كانوا يرفضونها كمذهب ونسبة .. فلا ينسبون أنفسهم للعلمانية والعلمانيين .. إلا أن أقوالهم وأفعالهم ومواقفهم .. تحكم عليهم بأنهم علمانيون .. أو أنهم ملوثون بالعلمانية .. مُصابون بدائها .. ومتأثرين بها .. وإلى حدٍّ كبير!
    كثير من هؤلاء الدعاة والشيوخ ـ وبعضهم يرأس جماعات وأحزاب إسلامية معاصرة ـ يصارحونك بقولهم: نحن لا نسعى إلى السلطة .. والحكم .. ولا نسعى إلى تطبيق الشريعة .. ولا إلى أكثرية برلمانية[ نحن لا نرى شرعية العمل النيابي التشريعي بصورته المعمول بها في ظل هذه الأنظمة المعاصرة .. لأن التشريع والتحليل والتحريم من خصوصيات الله تعالى وحده .. ولكن سؤالنا لمن يرى شرعية هذا العمل ـ من الطرف المقابل والمخالف ـ: إذا كنت لا تسعى إلى أغلبية برلمانية نيابية .. فما الذي يحملك على الدخول في هذا المعترك المحفوف بالمخاطر والمزالق والمخالفات .. ولصالح من تمتنع عن تحقيق الأكثرية البرلمانية مع قدرتك على تحقيقها .. ويُقال لهم كذلك : هذه نية مبطنة ومعلنة عن تمكين الآخرين غير المسلمين .. من أن يحكموا البلاد والعباد بغير ما أنزل الله .. مع قدرتكم على منعهم من ذلك عن طريق تحقيق الأكثرية .. لو شئتم ذلك كما تزعمون؟!  ] .. تاركين ساحة الحكم والتشريع والقيادة لغير المسلمين .. وفي الوقت التي تتطلع فيه الشعوب لقيادة مخلصة شريفة أمينة تقودها بكتاب ربها !
     ومنهم : من يستحي .. إلى درجة الاستهجان .. من أن يُطالب بتحكيم الشريعة وكأن في دين الله شيء معيب يُستحى منه والله تعالى يقول:   ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (غافر:20)  وقال تعالى :(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (المائدة:50)
    ومنهم من يقول: بالديمقراطية .. ويُطالِب بها فيرد بموجبها سلطة التشريع والتحليل والتحريم لقيصر الشعب من دون الله !
    ومنهم من يُطالِب: بحرية الأحزاب الشيوعيّة المحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين وأن لها تحكم البلاد والعباد لو اختارها أكثر المصوتين من الناس بزعم العمل بمبدأ حرية الأحزاب .. فعطلوا بذلك
عقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هي في الإسلام !
    ومنهم من يُصرّح ويُعلِن: بأن الولاء والبراء .. وكذلك الحقوق والواجبات تُعطَى وتُقسم .. على أساس الانتماء الوطني الجغرافي (المواطنة) ـ بزعم الوحدة الوطنية ـ بعيداً عن عقيدة الولاء والبراء في الله !
    ومنهم من يقول: نحن ـ كجماعة ـ مهمتنا مقصورة على الدعوة إلى الصلاة ومن ثم الخروج مع الجماعة للمبيت في المساجد ـ كما هو حال جماعة التبليغ ـ بعيداً عن شؤون السياسة والدولة والحياة .. تاركين كل ذلك لغير المسلمين !
    ومنهم الصوفية: الذين تقتصر دعوتهم على العبادة الباطنية للفرد .. وفق ما يراه شيخ الطريقة .. بعيداً عن شؤون الحكم والدولة والسياسة وواقع الناس ...!
    ومنهم من يقول: نحن مجرد دعاة وعلماء .. نفتي .. ونعلم .. ونحقق الكتب والمخطوطات .. ونربي .. لكن لا نتدخل بشؤون الحكم والدولة والسياسة .. والشؤون العامة .. فهذه ليست لنا .. وإنما هي لقيصر السلطان من دوننا .. للعلم رجاله .. وللسياسة وشؤون الحكم رجالها !
ومنهم من يعتزل الواقع ومعترك السياسة والحياة .. ويُؤصل لهذا المنهج .. ويقول عن نفسه: بأنه حبيس مكتبته ومجالس شيوخه .. بينما واقع الناس .. وهمومهم ومشاكلهم .. وحياتهم العامة والخاصة .. فهي لا تعنيه شيئاً .. ولا يعرف عنها شيئاً !
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( المؤمن الذي يُخالِط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يُخالِط النّاس ولا يصبر على أذاهم ).
ومنهم من لا يُفتي ولا يخوض في القضايا العامَّة التي لها مساس بواقع الأمة والشعوب .. إلا بعد أن يأذن له الحاكم .. وفيمَ يُرضِي هوى الحاكم!
اقتنع كثير من طلاب العلم والشريعة .. بأن غاية أحدهم القصوى .. أن يحظى بوظيفة يكون فيها مجرد خطيب يعتلي المنبر مرة في كل يوم جمعة .. ويؤم الناس في الصلاة .. أما إمامة الناس في شؤون الحكم والسياسة .. وميادين الحياة فهي لا تعنيه .. وهي لغيره !
كل هذه الصور الآنفة الذكر أعلاه أليست من العلمانية التي تفصل الدين عن شؤون الحياة .. بعضها أصرح وأوضح من بعض ؟!
هذه الظاهرة ـ ظاهرة الانكماش عن قيادة الحياة بالإسلام ـ لم يعرفها علماؤنا وسلفنا الصالح من قبل .. وهي لم تعرف لها سبيلاً إلى رؤوس بعض الشيوخ والدعاة إلا في زماننا المعاصر .. وللأسف !
عندما يقتنع العالم أنه ليس قائداً ولا إماماً للناس في ميادين الحكم والسياسة والحياة .. كما هو إمام يؤم الناس في الصلاة .. فيفصل نفسه عن الدولة والسياسة وشؤون الحياة العامة .. فهو بذلك يفصل دينه عن الدولة والسياسة وشؤون الحياة العامة .. ويُعلن بلسان حاله أنه علماني .. وإن لم ينطق بها بلسان المقال !
النبي صلوات الله وسلامه عليه إمام للناس في جميع ميادين الحياة الخاصة والعامة سواء .. والعلماء هم ورثة الأنبياء .. ومن مقتضى الإرث والعمل به .. أن يكون العلماء كذلك ـ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ـ أئمة للناس وقدوة وقادة لهم في جميع ميادين الحياة الخاصة والعامة سواء قال تعالى:( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )البقرة:124) فإمامة الناس في جميع شؤون الحياة لا ينبغي ولا يجوز أن تُترك للظالمين المفسدين .. فإن حصل شيء من ذلك .. وترك للظالمين المفسدين حرية قيادة السفينة .. غرقت السفينة .. وهلك جميع من عليها !
ومن دعاء الصالحين أن يكونوا للمتقين إماماً كما قال تعالى:( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)  (الفرقان:74) أي قدوة لهم في الخير .. وفي جميع ميادين الحياة !
يا أيها الناس: الغرب النصراني لما رفعوا شعار العلمانية إنما رفعوه لما وجدوا دين الكنيسة المحرّف يتعارض ويتصادم مع العِلم ومع مقتضيات ومتطلبات الحياة .. والحال ليس هكذا مع الإسلام دين الله تعالى الذي يصدّق العلم والعلم يُصدقه .. ويُطلق يد الإنسان لتعمل أقصى عملها في الإبداع والبحث، والنظر .. بما يحقق أفضل حياة للبشرية جمعاء .. وبالتالي لا يجوز أن يُجرَى عليه ما يجري على غيره من الأديان !
أيها المسلمون : اعلموا أن لا عِزّ لكم .. ولا وجود لكم بين الأمم إلا بالإسلام .. سِرّ قوتكم في الإسلام .. لِذا عَملَ العدوّ قرناً كاملاً ـ ولا يزال يعمل ـ على إقصائنا عن الإسلام وإقصاء الإسلام عنا .. ليتسنى له حكمنا بقانونه وأهوائه .. وليتسنى له استعمار بلادنا أرضاً وشعباً .. ونهب خيراتنا كيف ما يحلو له .. وقد تحقق له كثير من ذلك بسبب بعدنا عن مصدر عزنا وكرامتنا ونصرنا وسؤددنا !
لنا أكثر من مائة عام .. قد جربنا فيها كل الشعارات الوافدة إلينا من الشرق والغرب سواء .. بعيداً عن هدي وتوجيهات الإسلام .. فعشنا بسبب ذلك الجهل .. والفقر .. والذل .. والتخلف .. والهزائم كلها .. حتى أصبحنا أضحوكة لبقية الشعوب والأمم !
فقدنا الإسلام على مستوى الحكم والقيادة والتطبيق في مجالات الحياة .. لأكثر من مائة عام .. ففقدنا بسبب ذلك الحصانة والمناعة والشعور بالذات .. حتى أصبحت بلادنا كالديار الخربة من غير أسوار ولا أبواب .. الكل يستسهل التسور عليها .. ليقضي حاجته فيها !
ألا تكفيكم ـ يا قوم ! ـ تجربة مائة سنة من الذل والهوان والتخلف .. لتتيقنوا أن لا عِزّ ولا وجود لكم إلا بالإسلام ؟! 
صدق الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذ قال:( نحن قوم كنّا في الجاهلية أذلاء فأعزَّنا الله بالإسلام فإذا ما ابتغينا العِزّةَ بغير ما أعزَّنا الله به أذَلَّنا الله ) .
عن أبو بصير الطرطوسى 

                       محمد البرادعى

كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية د. يسرى أبو شادى : البرادعى تولى رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدعم من أمريكا .. والمحطات النووية مسألة حياة أو موت

حوار – أحمد سعد   |  28-02-2012 13:27 ـ نحتاج إلى سبعة وعشرين ألف ميجاوات سنويًا والحكومة ما زالت تتحدث عن محطات قدرتها سبعة ميجاوات
ـ أمضيت خمسًا وعشرين عامًا بالوكالة الدولية للطاقة النووية وتدرجت فى المناصب داخلها إلى أن أصبحت كبير مفتشى الوكالة ورئيس قسم الضمانات ..ـ تقدمت باستقالتى بسبب ازدياد المشكلات بينى وبين مدير الوكالة محمد البرادعى بصورة كبيرة وذلك بسبب مجموعة من الأزمات التى حدثت والتى رأيت فيها تحريفًا للتقارير الفنية لأسباب سياسية
ـ العراق كانت ستضرب لكن هناك من يروج أن د. البرادعى كان ضد أمريكا فى العراق وهذا غير صحيح فهو الوحيد الذى أعطى الغطاء الشكلى لبوش من أجل ضرب العراق
ـ مصر ظنت أن البرادعى سينهى أزمتها مع الوكالة عام 2005 لكن قال فى الاتهام الجديد إنه وجد جزيئات يورانيوم عالى التخصيب فى أحد الأماكن فى مصر وهذا معناه أن مصر تقوم بتصنيع القنابل الذرية وبالطبع إسرائيل استخدمت هذا التقرير إعلاميًا
ـ لو تم التمديد لبطرس غالى فى رئاسة الأمم المتحدة لما صعد البرادعى إلى رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية
لسنوات عده احتل يسرى أبو شادى منصب كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس قسم الضمانات بها بالإضافه إلى أنه عمل مع د. محمد البرادعى إبان توليه منصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخلال مدتى رئاسة البرادعى للوكالة كان د. يسرى أبو شادى قريبا جدًا من دائرة صناعة القرار ورأى كيف تصاغ قرارات الوكالة وما دور د. البرادعى فى صناعة قرار الوكالة ذائعة الصيت ...فهو يرى أن البرادعى رأس الوكالة لأداء دور معين وأتى إلى مصر ليستكمل هذا الدور بالإضافة إلى أنه لديه الكثير من الاعتراضات على مواقف البرادعى داخل الوكالة والكثير من علامات الاستفهام التى أثارها بحديثه عن كيفية تعيين البرادعى فى الوكالة ومواقفه من إسرائيل ومواقفه من بلده مصر إلى غير ذلك مما تلتقون به فى هذا الحوار 
*
د يسرى ما رأيك فى سعى مصر لامتلاك برنامج نووى للطاقة السلمية؟ 
--
أنا أرى أننا نحتاج ذلك من أجل امتلاك الطاقة النووية السلمية ...فمصر خلال العشر سنوات القادمة ستتوقف محطات الطاقة الكهربائية بها ....فتسعين بالمائة من محطات الكهرباء بمصر تعمل من خلال الغاز الطبيعى ومشتقات البترول ...فالغاز الطبيعى يستخدم بنسبة ثمانين بالمائة وعشرة بالمائة منها تعمل بالمازوت والسولار ...ونحن فى مصر بترولنا إن لم يكن قد انتهى فبعد عشر سنوات سيكون قد انتهى بالكامل ...بالإضافة إلى أننا نقوم باستيراد المازوت والسولار ...والغاز الطبيعى وهو ما نعتمد عليه حاليًا بدأت معدلات استهلاكه تزيد ..ومصر لديها تخطيط مازال موجودًا لتوصيل الغاز الطبيعى إلى الصعيد بالكامل والغاز الطبيعى إن قام بتغطية الصعيد بالكامل فوقتها لن يكون هناك أى احتياطى منه بعد عشر سنوات وهم يقومون بذلك من أجل حل أزمة البوتاجاز الذى نقوم باستيراده ....
....
وأرى أنه إلى الآن هناك تخطيط خاطئ من وزارة الكهرباء فكل فترة يقومون بافتتاح محطة كهرباء جديدة قائمة على تشغيلها بواسطة الغاز الطبيعى ....وأنا لدى فى مصر زيادة مضطردة فى معدلات الاستهلاك ....لذلك فالمعادلة الآن غير سليمة وخاصة فى إنتاج البترول والغاز الطبيعى ...فكانوا يقولون إن البترول المصرى ثلثه للاستهلاك المحلى والثلث الآخر للتصدير والثلث الثالث للاحتياطى وهذه المعادلة منذ عامين انتهت تمامًا وكان سامح فهمى وزير البترول يقوم بتصدير ثلثى الغاز المصرى للخارج والثلث الباقى كان يستخدم جزءًا منه احتياطيًا والجزء الباقى للاستهلاك المحلى ...
*
كيف إذن ستحل مشكلة الكهرباء فى مصر بعد نضوب الغاز وتوقف إنتاجه؟ 
--
هم يتكلمون الآن عن الطاقة الشمسية وعن طاقة الرياح وهذا الأمر يغضبنى بشدة من وزير الكهرباء سواء السابق أو الحالى وأنا اعترضاتى على التصريحات التى تسعى فقط لتخدير الشعب المصرى فلابد من نقل الصورة الحقيقية مثل ما هى عليه فقد أعلنوا عن افتتاح محطة طاقة شمسية بالكريمات وتلك المحطة من المفترض أنها 120 ميجا وات وحقيقتها 20 ميجاوات فقط والمائة الباقية تنتج من الغاز والبترول أيضًا فالعشرون ميجاوات المنتجون من الطاقة الشمسية يتم العمل عليها خلال حوالى ثمانى ساعات فى اليوم لأن الشمس لا تسطع طيلة اليوم وليس كل شهور العام تسطع فيها الشمس بصورة كاملة لذلك فمتوسط سطوع الشمس أومتوسط عمل المحطة سبع أو ثمانى ساعات ...لذلك فالعشرون ميجاوات المنتجون من الطاقة الشمسية يعادلون محطة طاقة كهربائية تعمل بصورة تقليدية طاقتها تعادل سبعة ميجاوات والسبعة ميجاوات هذه ماذا تقدم ونحن فى مصر الآن نتكلم عن حاجة مصر إلى سبع وعشرين ألف ميجاوات فى العام.
*
جمال مبارك أعلن منذ عام 2006 عن دخول مصر العهد النووى السلمى كيف ترى ذلك الإعلان ؟
-- 
نحن فوجئنا بجمال مبارك يعلن عن بداية البرنامج النووى السلمى المصرى وذلك بعد أن قام مبارك الأب بإيقاف البرنامج النووى المصرى 25 عاما وذلك منذ عام 1986وذلك بعد حادثة تشرنوبيل وأنا تقديرى أن ما فعله مبارك كان حجة لأنه لم يكن إيقافًا بل تدميرًا ...فهل إذا مات البعض فى حادثة سيارة فهل هذا يعنى أن نتوقف عن ركوب السيارات .... ونحن عام 1986كنا على وشك الدخول فى بناء أول محطة نووية ولو كنا أكملناها كنا منذ ذلك الوقت لكنا قد بنينا حوالى عشر محطات نووية وكانت الصورة قد تغيرت تمامًا فى مصر ...لأن المفاعل النووى قدرته الكهربائية كبيرة فهى ما بين ألف وألف وستمائة ميجا وات ...فالضبعة فقط ستقوم بأخذ أربع محطات نووية لذلك فأنت تتكلم عن خمسة آلاف ميجاوات أو أكثر لذلك فالضبعة بمفردها أكبر من السد العالى بمرتين أو ثلاثة .... فالطاقة النووية طاقة مهمة جدا وهى الوحيدة التى تستطيع إعطائى الطاقة الكهربائية التى أريدها فى عام 2020وما بعدها ....فعلى المدى القصير النسبى لا يوجد حل لمشكلة الطاقة فى مصر غير الطاقة النووية ....ونحن بتجاهلنا هذا ....أضعنا الكثير لذلك أنا أخاطب الشعب المصرى أن يعقل الأمر فإنشاء المحطات النووية مسألة حياة أو موت.
*
دخولنا إلى مجال إنشاء محطات نووية لإنتاج الكهرباء ألا يعنى هذا تخفيض التكلفة لإنتاج تلك الكهرباء وزيادة فى التقنية الموجودة فى المجتمع ودخول صناعات جديدة ؟
-- نعم فأسعار الكهرباء ستكون أقل من الموجودة حاليًا بصورة كبيرة ...ومن الممكن أن نقوم بتحلية مياه البحر وبالتالى نحل الأزمة الحادثة مع أثيوبيا ....وبمناسبة وجود بعض التصريحات التى تقول إن مشاريع الكهرباء التى تنشأ فى إثيوبيا لن تؤثر على كهرباء السد العالى ....فأنا أقول إن هذا الكلام كلام علمى خاطئ فتلك المشاريع ستؤثر تمامًا وستقلل من إنتاج الكهرباء من السد العالى.
*أتقصد أن كهرباء إثيوبيا ستقلل من كهرباء السد العالى؟ 
-- 
بالطبع فهو سيأخذ من قوة تساقط المياه ومن توليد الكهرباء .
د .لماذا لم يتم الاستعانة بك كمستشار فى البرنامج النووى المصرى ؟
-- 
مع الأسف فمصر إلى الآن فى واد مختلف وخاصة بعد 25 يناير لكننى عرض على منصب وزير الكهرباء مرتين وذلك خلال عام 2011ولكنى لم أرحب بهذا الترشيح فى هذا التوقيت لكننى رحبت بأن أكون مسئولا عن لجنة فنية تدير شئون محطات الكهرباء والمشاريع النووية ...وأملى أن يحدث استقرار للأوضاع فى مصر وأستطيع أن أقوم بمعاونة مصر من خلال الخبرة التى اكتسبتها خلال هذا العمر وذلك فى إنشاء المشروع النووى السلمى ولدينا أناس كثيرون فى مصر وخارجها من العلماء أجمعهم مستعد للتعاون لكن لا بد من توافر الجدية.
كنت موجودًا فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فلماذا تركتها فجأة ؟ 
-- 
أنا كنت كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس قسم الضمانات فى الوكالة وحاليا عضو فى المجلس المصرى للشئون الخارجية ...وأنا أمضيت خمسا وعشرين عامًا بالوكالة الدولية للطاقة النووية وتدرجت فى المناصب داخلها إلى أن أصبحت كبير مفتشى الوكالة ورئيس قسم الضمانات ...وأنا تركت الوكالة لسببين أولهما أن الوكالة لها مواعيد معينة فى السن أو ما درج المصريون على استخدامه باسم سن المعاش وأنا وصلت لسن المعاش وهو الستين لكن الأمم المتحده قامت بتغيير سن المعاش وأصبح الموجودون يخضعون للمد الطبيعى من قبل الأمم المتحدة لخمس سنوات....وأنا قدمت استقالتى ورفضت المد وذلك بسبب ازدياد المشكلات بينى وبين مدير الوكالة محمد البرادعى بصورة كبيرة وذلك بسبب مجموعة من الأزمات التى حدثت والتى رأيت فيها تحريفًا للتقارير الفنية لأسباب سياسية وهذا التحريف كان متوافقا مع السياسة الأمريكيةفأولاً كمبدأ لابد أن تعرف أنه لم يكن هناك أى خلاف شخصى بينى وبين د. محمد البرادعى لأننا لم نكن أصدقاء لأنه لم تكن هناك معرفة فى الأصل بيننا وهو موظف فى الوكالة الدولية مثلى لمدة 25 سنة وهى نفس مدتى الوظيفية بالأمم المتحدة وعين فى نفس العام وتركنا الوكالة فى نفس العام وأنا لا أحب الخوض فى أشياء شخصية عنه أو عن أسرته وأنا أرفض مثل هذا الكلام أو الخوض فى تفاصيل الحياة الشخصية للبرادعى أو لغيره ...وما أتكلم عنه هو الأفعال المهنية والفنية.
*
إذن أنت كنت مختلفًا بطريقة مهنية إن جاز التعبير مع د. محمد البرادعى .
-- 
نعم وخلافاتنا كانت بدايتها العراق ونحن فى تلك المرحلة لم نكن قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة لأنه وقتها كان يمسك العصا من المنتصف...وأنا فى مسألة العراق كتبت التقرير النهائى عام 98 عن خلو العراق الكامل من أى نشاطات عسكرية نووية أو حتى غير عسكرية وهذا التقرير لم تكن الإدارة الأمريكية راضية عنه ...لأنه يبرئ ساحة العراق وبالتالى ترفع العقوبات التى أقرتها الأمم المتحدة عن العراق ....ومحمد البرادعى فى ذلك الوقت كان فى بداية تعيينه كمدير عام للوكالة والأمريكان ضغطوا عليه من أجل التقرير فقام بتغيير بعض الأشياء فى التقرير وعندما اختلفنا وقتها قام بوضع شىء فى منتصف التقرير يقوم بإرضائى وإرضائه وقبلته أنا فى ذلك الوقت وهى أن لدينا أسئلة لكن هذه الأسئلة لا قيمة لها وأن مفهمونا عن العراق تغير وقبلت أنا هذا العرض ...وأنا قبلته عند وضع تلك الجملة فقط من أجل صدور التقرير ...لكن موقف محمد البرادعى فى عام 2003 كان موقفا مائعًا ....والبعض فى هذا الوقت قال إننى مدحت فى البرادعى ولكنى أنا تكلمت عن الجانب الإيجابى فى كلامه عام 2003 عندما قال إننا كوكالة الطاقة الذرية لم نجد أى أدلة على صحة الاتهامات الأمريكية لكن لا يمكننى نفى الاتهامات الأمريكية ...أعطونى شهورًا من أجل أن أقرر وكانت تلك الكلمة هى الكلمة الكافية لبوش من أجل اتخاذ قرار الحرب على العراق ...وأنا أقول إن العراق كانت ستضرب لكن هناك من يروج أن د. البرادعى كان ضد ذلك وهذا غير صحيح فهو الوحيد الذى أعطى الغطاء الشكلى لبوش من أجل ضرب العراق فبوش أخذ تقرير البرادعى ضمن أسباب الحرب فى العراق.
*
لماذا إذن لم تقدم استقالتك اعتراضا على هذا الموقف ؟
-- 
أنا لم أقدم استقالتى لأن موقف البرادعى لم يكن مع الأمريكان لكنه لم يكن ضدهم فموقفه كان موقفا مائعا يفسر على الجانبين وبعد مشكلة العراق أتت مشكلة كوريا الشمالية وأنا كنت مسئولا عن ملف كوريا بالوكالة لسنوات طويلة وكان تقديرى الكامل أن الكوريين قاموا بعمل المفاعل الذى قمت بتصميمه وأنا صغير منذ عام 70وهذا النوع الذى قمت بتصميمه هو نوع تستطيع الدول النامية بناءه وهو مفاعل جرافيتى قائم على اليونيم الطبيعى والكوريون الشماليون قاموا ببنائه وأنا فى هذا الوقت كنت أرغب فى أن تقوم مصر ببناء هذا المفاعل ولكن غياب الإرادة السياسية أوقف المشروع وبالطبع من خلال خبرتى فى تركيبة هذا المفاعل ولكونى مسئولا عن التفتيش فى هذا الوقت وصلت لقناعة كاملة فى نهاية عام 2002 أن كوريا الشمالية لم يكن لديها قنابل ذرية وهم لم يسرقوا كما ادعاء الأمريكان أنهم قاموا بسرقة وقود المفاعل وقاموا بعمل قنبلة نووية به وهذا ما كان يردده الأمريكان على لسان وزير دفاعهم وأنا كنت دائم القول إن هذا لم يحدث لكن كان نائب الرئيس وهو كان أعلى منى فى المنصب داخل الوكالة وهو رجل معروف بارتباطاته القوية جدا بالأمريكان كان يكرر المقولة الأمريكية بوجود سلاح نووى لدى كوريا الشمالية لذلك كنا نختلف وفى البداية أرسل د. محمد البرادعى محققًا ليعرف الحقيقة بينى وبين هذا الشخص ليعرف أين الحقيقة فى ملف كوريا وأنا أعتقد أننى أثبت له بالحقائق أن كوريا لا تمتلك قنبلة نووية لكن الأمر انتهى ....واتخذ محمد البرادعى جانب أمريكا وبدأت الوكالة فى إخراج اتهامات غير واقعية ...وانتهت القضية وذلك بعد أن قام الكوريون الشماليون بطرد الوكالة من هناك عندما وجدوا أن بداخلها نوعا من الانحياز السياسى والأمريكان دفعوهم دفعًا إلى هذا الموقف وبعد عام أو اثنين تملك الكوريون الشماليون قنبلة نووية وقاموا بتفجيرها فى عام 2005 فالأمريكان ببعض المعاونة من الوكالة قاموا بتخليق كوريا الشمالية ...فالوكالة استخدمت كأداة فنية من أجل إرضاء الأمريكان وتدعيم الرأى الأمريكى وبالمناسبة أمريكا اعترفت أن كلامها القديم عن امتلاك كوريا الشمالية قنبلة أو اثنتين يبدو أنه كان خاطئا وهو نفس الكلام الذى فعلوه مع العراق ثم عادوا ليقولوا إن تقديراتهم عن العراق يبدو أنها كانت خاطئة ...
....
وأتت بعد ذلك مصر ومصر كانت قصة قديمة منذ عام 2004و2005والحقيقة أننا رأينا داخل الوكالة ذات الشخص الذى أخرج تقارير كوريا الشمالية وهو أحد نائبى البرادعى قام بإخراج اتهامات ضد مصر مبالغ فيها بمخالفتها لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وهذا التقرير الذى خرج كان جزء منه مبالغا فيه وجزء منه كاذبا وأنا تكلمت مع د. البرادعى وقتها وقلت له إن هذا التقرير غير سليم ومبالغ فيه جدا فقال لى يا د. يسرى أنت بقالك كتير منزلتش مصر وقام بتشكيكى فى نفسى إلى درجة أننى شككت أن مصر فعلا تقوم بصناعة قنبلة نووية من غير علمنا نحن وأنا لدى قناعة داخلية كبيرة أن هذا الأمر لم يحدث ...فالقنبلة النووية تحتاج إلى إمكانات كثيرة وإلى طاقم من العلماء على درجة عالية جدًا من الكفاءة وإلى منشآت نووية كبيرة وإلى مواد نووية مثلما فعلت إيران وكوريا الشمالية ومثلما فعلت الهند وباكستان ...فالقنبلة النووية لن تخرج بين يوم وليلة
*
ولكن ما البنود التى تكلم عنها التقرير ؟ 
-- 
عندما صدر التقرير وجدنا أنه يتكلم عن تفاهات وأكاذيب....وتكلمت مع الحكومة المصرية وقلت لهم إنى لدى رد عن التقرير وهذا كان فى فبراير 2005ولكنى تفاجأت بالحكومة المصرية تقول لى شكرًا أننا لن نرد فمحمد البرادعى سينهى الموضوع ....فهم تخيلوا أنه سينهى الموضوع ومرت خمس سنوات ولم ينه الموضوع إلى أن وصلنا إلى شهر مايو عام 2009وهو الوقت الذى كنت سأترك فيه عملى بعده بشهر تقريبا وفى آخر اللحظات فوجئت أن الاتهامات مازالت كما هى بل أضاف لها اتهاما جديدا وهو الأخطر...فقد قال فى الاتهام الجديد إنه وجد جزيئات يورانيوم عالية التخصيب فى أحد الأماكن فى مصر وهذا معناه أن مصر تقوم بتصنيع القنابل الذرية وبالطبع إسرائيل استخدمت هذا التقرير إعلاميا لتقول للعالم إن مصر تقوم بتصنيع قنابل ذرية وبالطبع أنا كنت معترضا تماما على هذا وقمت بتنبيه السلطات المصرية وقمت بإبلاغ الحكومة المصرية بكل فئاتها وتدخلت الحكومة المصرية بعد ذلك والسفير المصرى فى فيينا تدخل .
*
إذن هو قاد الوكالة الدولية ضد مصر كما قادها ضد سوريا 
-- 
نعم فآخر خلاف وأهم خلاف بينى وبينه كان فى موضوع سوريا ....فإسرائيل قامت بضرب مبنى بجوار دير الزور وادعت أن هذا المبنى كان مفاعلا نوويا بنوه وساعدهم فيه الكوريون الشماليون وكان هذا المبنى طبقا للرواية الإسرائيلية نسخة من مفاعل بونج بيانج فى كوريا الشمالية والغريب أننى كنت مسئولا عن هذا المفاعل لسنوات عدة وأنا صممت مفاعل شبيه له تماما قبل ذلك وقامت المخابرات الأمريكية بنشر تقرير إعلامى حاد عن المفاعل النووى السورى وبعد ساعات قليلة من دراستى لتقرير المخابرات الأمريكية وصلت لقناعة أن هذا التقرير مزور وأنه لا يمكن أن يكون هذا المبنى القصير الذى لا يتعدى طوله العشرة أمتار مماثلا للمفاعل النووى الكورى الذى يتعدى طوله خمسين مترا بالإضافه إلى أن هناك أشياء أخرى انتهت بى إلى وضع كتاب تحت عنوان حقيقة المفاعل النووى السورى فندت فيه تقرير المخابرات الأمركية ...وهذا الكتاب كتبته بعد تركى الوكالة ولكننى أثناء تواجدى فى الوكالة لم أكن أستطيع تحمل تلك الأكاذيب ...فأرسلت رسالة قوية إلى البرادعى وقلت له فيها إنك إن لم توقف تقاريرك الكاذبة سأرفضها وسأتكلم فى الحقائق الفنية وإذا كنتم ستفعلون ما تريدون فهذه استقالتى أمامكم ...وبالفعل لم يسمع هو الكلام وأرسل إلى رد غير ظريف على الإطلاق ما معناه لماذا تدخل فى تلك المنطقة فسوريا ليست من ضمن اختصاصاتك وهذا صحيح ولكن أنا لدى خبرة على مستوى العمر كله فى المفاعلات النووية وأنا من قمت بتصميم ذلك المفاعل الذى يتحدثون عنه وأنا من كنت مسئولا عن كوريا الشمالية فلا يمكن تجاهل كل هذا ....وفى النهاية تكلمت ودبر لى بعض الأصدقاء لقاء حساسا جدا مع منى الشاذلى فى برنامج العاشرة مساء وذلك بعد قيامى بعمل ندوة عن ذات الموضوع فى حزب الجبهة الديمقراطية وتكلمت عن موضوع سوريا فى اللقاء مع منى الشاذلى وفى الندوة التى أقمتها بحزب الجبهة ...واللقاء الذى أجريته مع منى الشاذلى كانت له أهمية خاصة لأننى فى ذلك الوقت كنت لا أزال موظفا فى وكالة الطاقة الذرية ...وانتهى أمر موضوع سوريا إلى مشكلة كبيرة بينى وبين البرادعى وقام بتحويلى إلى التحقيق فعلا وبعد التحقيقات خرجت نتيجتها برفض البلاغ الذى قام بتقديمه إلى الوكاله لأننى لم أقل أى أسرار غير معروفة فى أثناء الحلقة التى أجريتها مع منى الشاذلى ففى أثناء الحلقة أخرجت صورا وأخرجت خرائط وكل تلك الصور والخرائط بالإضافة إلى أن تقرير المخابرات الأمريكية كان أيضًا منشورا وأنا لم أتكلم عن تقرير الوكالة وهو منسوخ بالكامل من تقرير المخابرات الأمريكية .
*
فى ذات الوقت الذى تتحدث أنت عنها وخلال رئاسة البرادعى للوكالة حدثت أزمة إيران فماذا عنها أيضًا ؟ 
-- 
نعم كان هناك خلاف شديد جدا بينى وبين د. محمد البرادعى عن إيران وأنا كنت رافضًا لتقرير المخابرات الأمريكية عن البرنامج النووى الإيرانى ....وكان ذلك فى عام 2008 وهو العام الذى لاحظ فيه الجميع تغيرا واضحا لشخص البرادعى داخل الوكالة واقترابه من الأمريكان وتبنيه وجهات نظرهم بالكامل ...فقبل هذا التاريخ كانت له مواقف ربما تعد وسطية وربما تعد مائعة مثل موقفه بالنسبة لإيران والعراق كانت كلها تعد مواقف وسطية أو مائعة ...لكن منذ بداية عام 2008 لم يعد للبرادعى تلك المنطقة المائعة التى كان يلعب فيها وأصبح مع أمريكا تماما فى كل ما يريدون وقام بتنفيذ كل ما قالوه فى تقارير الوكالة وقام بتحويل إيران مرتين إلى مجلس الأمن بسبب تقاريره لتفرض عليها عقوبات اقتصادية .
*
ولكن لماذا لم تستقل وأنت ترى كل هذا بعينك؟ 
لم تكن هناك أشياء جسيمة إلى أوائل عام 2008 الذى قمت فيه بتقديم استقالتى ورفضت المد وبالتالى خرجت على المعاش والجدير بالذكر أنه لم يقبل استقالتى رغم أن الاستقالة كانت مسببة منى ورفضها وانتظرت حتى سن خروجى للمعاش ..
*
هناك من يقول إن البرادعى دخل الوكالة بناء على دور مرسوم له من قبل المخابرات الأمريكية؟ 
--
انظر إلى طريقة تعيين البرادعى فى الوكالة كيف تمت فالدكتور بطرس غالى كان سكرتير عام الأمم المتحدة وكان هذا الكلام فى نهاية عام 1996وكان من المفترض التجديد له فلم يحدث من قبل أن يتواجد سكرتير للأمم المتحدة على رأس المنظمة الدولية لمدة واحدة ....فكل من تولى هذا المنصب استمر لفترتين وما حدث أن 14دولة فى مجلس الأمن أيدت بطرس غالى وأمريكا استخدمت حق الفيتو وقامت برفضه وهذه الحركة تمت لخمس مرات فالأربع عشرة دولة حاولت لخمس مرات وأمريكا رفضته واستخدمت ضده حق الفيتو فحتى بريطانيا وفرنسا كانتا مؤيدتان لبطرس غالى ....بالإضافة إلى أن هانز بليكس أعلن أنه لن يمد فترته فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالتالى أصبحت هناك فرصة لمرشح دولة نامية أن ينجح ويرأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقتها مصر كان لها دور كبير فى إفريقيا وكان لا يمكن بالطبع أن يكون هناك اثنان مصريان ود .البرادعى أرسل فى ذلك الوقت خطابا لعمرو موسى وزير الخارجية آنذاك وأنا التقيت به بعد ذلك وأكد لى هذا الكلام الذى أقوله ...والبرادعى فى تلك الرسالة طلب من مصر أن تقوم بترشيحه لهذا المنصب وأنه تؤيده أمريكا فى ترشحه للمنصب وأعطته تأكيدات بنجاحه كرئيس للوكالة وكان هذا الكلام فى سبتمبر 1996وذلك قبل رفض التمديد لبطرس غالى والغريب أن البرادعى قال فى رسالته إن امريكا ستعترض على شخص بطرس غالى ولن توافق على التمديد له كسكرتير عام للأمم المتحدة فمن أين علم البرادعى بهذا ....ومن أين علم أن أمريكا ستستخدم حق الفيتو لخمس مرات ضد د. بطرس غالى ولو مدد لبطرس غالى فى الأمم المتحدة لانتهت قصة أن يأتى مصرى على رأس المنظمة الدولية ....وهذه الرسالة وضعت الكثير من علامات الاستفهام بالإضافة إلى أننى أتخيل أن مصر لها أسبابها المهمة جدا فى عدم ترشيح د .محمد البرادعى وأنا لن أتكلم بالنيابة عن الجهات المصرية المعنية بهذا الشأن فهم أصحاب الحق فى التحدث ...وفى النهاية رفضت مصر ترشيحه وقامت بترشيح د .محمد شاكر الذى كان قريبا جدا من الفوز ولكن الأمريكان كانوا ضده تماما ولعبوا ضده بمختلف الوسائل وذلك بالرغم من حصوله على أغلبية الخمسين فى المائة إلا أنه لم يحصل على الثلثين من الأصوات اللازمة للفوز بالمنصب وفى الإعادة ضغطت أمريكا ونجحت فى ترشيح البرادعى ليس لكونه مرشحا مصريا ولكن على أساس أنه من الدول الإفريقية ومصر بالطبع كانت فى حرج شديد أن ترشح د. محمد شاكر ضده مرة أخرى.

ليست هناك تعليقات: