السبت، 30 أغسطس 2014

السيد البدوى ودوره فى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين ـ مجدى سعد

يحكى لنا حسن البنا فى كتابه مذكرات الدعوة والداعية تحت عنوان الطريقة الحصافية كيف نشأت لديه فكرة تأسيس جماعة الإخوان فيقول
أحب أن اسجل هنا ذكرى نظرية أعجبت بها واسترعت تفكيرى فترة من الوقت : ذكرى الشيخ صاوى دراز رحمه الله (مع ملاحظة أن مشايخ الصوفية لا يشترط فيهم العلم) وهو شاب فلاح كان حينئذ لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره وقد توفى بعد ذلك ولكنه كان نادرا فى الذكاء ودقة الفهم وتصوير الأمور  أخذنا نتحدث عن الأولياء والعلم وتطرق بنا الحديث إلى سيدى ابراهيم الدسوقى المجاور لبلدهم ثم انتقل الحديث إلى سيدى أحمد البدوى بطنطا فقال الشيخ صاوى : أتدرى ما نبأ سيدى البدوى ؟  فقلت له لقد كان وليا كريما تقيا ورعا صالحا وعالما فاضلا  (وهذا هو السيد البدوى فى عيون حسن البنا السيد البدوى صاحب وحدة الوجود الذى جلس 12 عاما على السطح المقابل لبيته ونزل إلى المسجد  ليبول على الناس )  ويكمل البنا قائلاً : فقال الشيخ صاوى : أهذا فقط ما تعرفه عن السيد البدوى ؟ فقلت هذا ما نعلم .  فقال اسمع وانا احدثك : جاء السيد البدوى إلى مصر من مهجره فى مكة وكان أهله من المغرب ولما نزل مصر كانت محكومة من المماليك مع أن ولايتهم لا تصح لأنهم ليسوا احرارا وأحمد البدوى سيد علوى اجتمع له النسب والعلم والولاية فأهل البيت يرون الخلافة حقا لهم وقد انقرضت الخلافة العباسية وانتهى أمرها فى بغداد وتفرقت أمة الاسلام دويلات صغيرة يحكمها  أمراء تغلبوا عليها بالقوة ومنهم المماليك هؤلاء وهناك أمران يجب على السيد احمد البدوى أن يجاهد فى سبيلهما : اولا : اعادة الخلافة واستخلاص الحكم من أيدى المماليك الذين لا تصح ولايتهم   ( ومن هنا أخذ البنا فكرة إعادة الخلافة الاسلامية بمفهومها العام )  ولكن كيف يفعل هذا ؟ فلابد من ترتيب خاص ... فجمع بعض خواصه ومستشاريه لتشكيل الجماعة الأحمدية (وهذا تماما ما فعله البنا لتشكيل جماعته فبدأ بمعارفه واصدقائه واقاربه ليشكل بهم نواة لجماعته)  ومنهم سيدى مجاهد وسيدى عبد العال وأمثالهما واتفقوا على نشر الدعوة وجمع الناس على الذكر والتلاوة  وجعلوا إشارات هذا الذكر السيف الخشبى و العصا والطبل يجتمعون عليه واختاروا البيرق ليكون علما لهم وهذا شعار الأحمدية (عندما كان السيد البدوى يجاهد فى سبيل الله كان يمسك سيفا خشبيا ويصرخ هو ها هو ها هو ها) (ويستمر الشيخ الصاوى يقص على حسن البنا والبنا منبهر غاية الانبهار)  :  فاذا اجتمع الناس على ذكر الله وتعلموا احكام الدين استطاعوا بعد ذلك أن يشعروا وأن يدركوا ما عليه مجتمعهم من الفساد فى الحكم وضياع للخلافة فتدفعهم النخوة الدينية واعتقاد واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى الجهاد فى سبيل الله وفى سبيل تصحيح هذه الاوضاع  وكان هؤلاء الأتباع يجتمعون كل سنة واختار السيد طنطا مركزا لحركته لتوسطها فى البلدان العامرة فى مصر ولبعدها عن مقر الحكم ( الخلافة العباسية ) فإذا اجتمع الأتباع سنويا على هيئة مولد استطاع هو أن يدرك إلى أى مدى تأثر الناس بالدعوة ( وهنا يكمن سر المؤتمرات التى يقيمها الاخوان فهدفها الأول أن يعرفوا قدرتهم على الحشد وتأثيرهم على أتباعهم واختبار مدى استجابة الأعضاء للطاعة كما أن المريد فى الصوفية لا يمكن أن يعصى للعارف أمرا وكذلك عضو الاخوان يطيع أمر المرشد كما يطيع أمر الله عز وجل ولا فرق بين الأمرين )
( نفس الفكرة بالضبط التى قالها الرجل الفلاح لحسن البنا التى أسس عليها جماعة الاخوان أن يجمعهم على اوراد معينة للذكر وشعارات خاصة بهم فيعيدوا الخلافة الاسلامية ويقضوا على المماليك ) ( ويستطرد الشيخ صاوى )  ولكنه لا يكشف لهم نفسه بل يعتكف فوق السطح ويضرب اللثام مضاعفا ليكون ذلك أهيب فى نفوسهم  (فيأتى التقديس ) ولماذا اللثام : يقولون : نظرة من القطب تعنى الموت من نظر للقطب نظرة يضيع   (ولماذا يضيع ؟ العارف يعتقد بالحلول والاتحاد فالسيد احمد البدوى الذى هو تابع للدولة الفاطمية الرافضية الشيعية الخبيثة يقول أنه وصل إلى درجة من الحلول والاتحاد أن الله حل به فهو يغطى وجهه حتى لا يحترق من ينظر إليه من نور الله الذى حل فيه .. فحجابه النور لو كشفه لأحرقت سبوحات وجهه ما انتهى  إليه بصره من خلقه لذلك أشاعوا فى الناس : من أراد أن ينظر إلى القطب فليستغنى عن حياته .... فقال له أحدهم : أراك وأموت  فما بدأ يفتح اللثام حتى مات الرجل )
 وهكذا انتشرت هذه الدعوة حتى اجتمع عليها خلق كثير ولكن الظروف لم تكن مواتية لتنجح هذه الحركة .. ( ويعلق حسن البنا على قصة هذا الرجل قائلا :) كنت اسمع هذا التعليل والتسلسل  فى تاريخ السيد البدوى وانا اعجب لعقلية هذا الشاب الفلاح الذى لم يتعلم إلا التعليم الأولى فى القرية وكم فى مصر من ذكاء مقهور وعقل موفور ولو وجد من يعمل على إظهاره من حيز القول إلى حيز الفعل ( وكأن البنا كان يشير إلى نفسه ) ولا زالت كلمات الشيخ صاوى دراز رحمه الله تتمثل لى كأنما أسمعها الأن وفيها عبرة وفيها طرافة والأمور بيد الله ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ( وهنا لمعت الفكرة فى ذهن حسن البنا لإقامة نسخة منقحة من الجماعة الصوفية التى تربى بها البنا لتنفيذ فكرة إعادة الخلافة كما كان السيد البدوى يسعى لجمع الناس بأسلوب أو باخر لإقامة هذه الخلافة )
إذا فقد كانت القصة التى قصها الشيخ صاوى دراز عن السيد البدوى هى التى القت بفكرة انشاء جماعة الاخوان الحصافية الخيرية وهى نفس فكرة الإمامة عند الشيعة خاصة وأن الخلافة قد سقطت وتمزقت البلاد ا لعربية وتم تقسيم تركة الرجل المريض .. ففكر البنا فى إقامة خلافة عالمية على نفس فكرة الخلافة والامامة الشيعية .. وهذه التوأمة الفكرية حتما سينتج عنها تلاقى بين شيعة ايران وجماعة الاخوان وسيكون بينهما اتفاق .. وهذا ما حدث فى المغرب وحدث فى تونس ( والحرب على السلفيين على اشدها الأن ) وفى ليبيا وهذا ما يحدث فى مصر الأن .. و النموذج الأمثل الذى يريك الإخوان المسلمين على حقيقتهم فى غزة : أى شخص يخالفهم وإن كان معه الحق ويقول قال الله وقال الرسول إما أن يقتلوه أو يعتقلوه وجرائم حماس ضد السلفيين اكثر من أن تحصى أو تعد .. ولو تمكن الاخوان فى مصر سيفعلون كما تفعل حماس فى السلفيين فى غزة تماما .. أما شعارات الديموقراطية والتعددية والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات فما هى إلا خداع وكذب وتقية ... فحسن البنا أصلا لا يرضى عن الديموقراطية ولا عن الحزبية .. ولا يرضى أن يكون للإخوان حزبا سياسيا اسمه الحرية والعدالة .. كل هذا مخالف لمنهج حسن البنا ..... ولكن الاخوان يتلونون بالحزبية والديموقراطية كوسيلة للوصول إلى الغاية فالغاية عندهم تبرر الوسيلة كما علمهم إمامهم .
يقول حسن البنا نصا : إعادة الكيان الدولى للأمة الاسلامية بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقرير ثقافتها وجمع كلمتها ( هذا كلام جميل ليس به عيب فجمع كلمة المسلمين وتوحيدهم شئ عظيم ولكن المشكلة : على أى اساس ؟  على اتباع افكار حسن البنا ؟ أم على اتباع الكتاب والسنة ؟  المفروض أن يكون ذلك على الكتاب والسنة .. وهذا لن يحدث إلا إذا فهم افراد الأمة الاسلامية أن كل شخص مستخلف على قدر ما خوله الله واسترعاه وأن يقوم بالأمر فى بلده ويتقى الله فى نفسه وبذلك تقام الخلافة ... ولا تقام كما خطط السيد البدوى أن يجلس على السطح ويجمع الناس على البدع والمخالفات الشرعية ونتعاون فى ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فى ما اختلفنا فيه وهكذا نجمع اكبر عدد من الناس .... فنحن لا نريد أى نوع من الناس نحن نريد أناس لديهم عقيدة على شاكلة من رباهم النبى صلى الله عليه وسلم ثم يهيئ الله الأسباب التى ليست فى حسبان البشر لقيام الخلافة والتمكين .. والأصل أن الخلافة والتمكين فى الأرض ليس غاية بل هى وسيلة لتبليغ دعوة النبى صلى الله عليه وسلم فلا يصح أن نضيع دعوة ودين وشريعة محمد  فى سبيل تجميع الناس والتمكن من الحكم والخلافة  حتى يؤدى كل ذلك إلى اعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة .

الاخوان المسلمون والخلافة : ولعل  من تمام هذا البحث أن أعرض موقف الاخوان المسلمين من الخلافة وما يتصل به .. وبيان ذلك أن الاخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الاسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الاسلام وأنها شعيرة اسلامية يجب على المسلمين التفكير فى أمرها والاهتمام بشأنها .. والخليفة مناط كثير من الأحكام فى دين الله (إنى جاعل فى الأرض خليفة) .
فى منهج حسن البنا والاخوان من بعده يحملون معنى خليفة على معنى الرئاسة ومقعد الحكم ولكن المفروض أن نحمل الآية على معنى الخلافة النوعية فى كل فرد من افراد النوعية البشرية مستخلف على وجه الابتلاء ( كما قال الله تعالى : ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون .... وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم : إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها ) ... فالإخوان عندما يتحدثون عن الخلافة فهم يقصدون الحكم والكرسى  ولو أن مسلم سلفى تحدث عن الخلافة فهو يقصد : خلافة كل شخص فى ما خوله الله واسترعاه ( فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وهذا هو الفهم السليم وليس فهم الاخوان فهم يستخدمون الديمقراطية للوصول إلى الخلافة أى الحكم ولكن السؤال لو وصل الاخوان للحكم ثم رفض الناس تطبيق الشريعة والمفترض أن رأى الأكثرية هو الذى يحكم .. فهل سيستجيبون لمطالب الناس أم سيعدمون كل من خالف الاخوان ؟ فكل هذا مخالف للفطرة .. فإن الله تعالى لما قلب القلوب ونوع الأحوال ابتلى العباد وجعل الغنى وجعل الفقير ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) وسيكون منهم من هو أهل للنار ومن هو أهل للجنة وكلهم مخيرون والله قادر على أن يهدى الناس جميعا  .. ولكن عقيدة الاخوان أن المرشد العام الموجود بمصر هو الخليفة الأعظم فى العالم وليس مصر فقط  فالمرشد العام هو العارف وجميع من دونه مريدون على منهج حسن البنا ... والحقيقة أنه لا طريق للنجاة إلا بالبراءة من منهج حسن البنا وصوفية حسن البنا وأشعرية حسن البنا ثم تنشئة الناس على اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة  ولكن ما يقوم به الاخوان لن يوصل البلاد إلا لمطاحنات ومقاتلات لا يعلم مداها إلا الله .
فالإخوان عندما يذكرون الخلافة فالقصد منها كرسى الحكم فقط وليس القصد منها إصلاح الناس وأن كل انسان مستخلف فى أرض الله أمين على ملك الله أوامره المباشرة من الله ورسوله وليست من المرشد العام ولا بوصاية المرشد العام .
فهل يشك أحد أن حسن البنا صوفى عارف بالله أخذ العهد والطريقة من الشيخ عبد الوهاب الحصافى الشاذلى ؟  لا شك أن حسن البنا صوفى حتى النخاع .... أشعرى حتى النخاع  .. وفكرة انشاء الخلافة العالمية الكونية فى حد ذاتها ليست خاطئة ابدا .. ولكنها ليست هى الأصل الذى نضيع من اجله كل الاصول ... ولكن الأصل الأصيل الذى يتبعه كل شئ : أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ...
( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا )  وكل انسان مستخلف على حسبه والعبادة طاعة الله وامتثال ما أمر به .

ليست هناك تعليقات: