السبت، 30 مارس 2013

صفات فرعية تتفرع عن صفة الجهاد (5)


خامسا : القيام على أمر الله
وهم كذلك قائمون على أمر الله تعالى .. ساهرون على حدوده وأحكامه .. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يخافون في الله لومة لائم كما قال الله تعالى عنهم :( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( آل عمران:104.
والمراد بالأمة في  الآية هم العلماء العاملون المجاهدو
ن صفوة الأمة علماً وعملاً وجهاداً وإذا لم يكن هؤلاء هم المعنيين من أحاديث الطائفة المنصورة فمن يكون غيرهم ؟!
 قال الضحاك: هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء [تفسير ابن كثير: 1/ 398].
وقال تعالى:( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)  الحج:41.
وتظهر هذه الصفة فيهم ـ صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ بارزة في قوله صلى الله عليه وسلم:( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ) ومن أمر الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي قوله:( لن يبرح هذا الدين قائماً ) بهم. والدين لا يقوم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عنهم وعمن يخالفهم، فقال:( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم فتأذوا بهم فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقالوا: لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فأخذ ـ أي أحدهم ـ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا : مالك ؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ) [رواه البخاري وغيره، السلسلة الصحيحة:69]. فمثلهم مثل الذين يأخذون على أيدي أهل المنكر زجراً وضرباً ونهياً .. حتى لا تهلك المجتمعات وتغرق ـ بأوحال الفساد والمرض ـ بساكنيها ..  وبذلك نالوا صفة القيام على حدود الله وأوامره.
وقال صلى الله عليه وسلم:( إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال:( الذين يصلحون إذا فسد الناس) [السلسلة الصحيحة: 1273]. 
وقد جاءت صفتهم  في رواية أخرى أنهم:( ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)[رواه ابن المبارك في الزهد، السلسلة الصحيحة: 1619]. لكن ذلك لا يثنيهم عن الجهر بالحق والصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو خالفوا بذلك تيار الباطل الجارف ..!
فهم يصلحون إذا فسد الناس مهما كانت تكاليف الإصلاح باهظة الثمن لا يلتفتون إلى كثرة الجماهير وصفيقهم . ولا يبالون لمن وافقهم أو خالفهم . فهمّهم الأكبر هو الإصلاح .. هو أن تنجو السفينة من الغرق وتصل إلى بر الأمان بسلام ..! لا يبررون لأنفسهم ـ تحت ذرائع العجز والاستضعاف ـ مواكبة الباطل أو الركون إليه في مرحلة من مراحل المسير إلى الله .. طمعاً في كسبٍ دنيوي زهيد .. أو نظرة عطف وإحسان من طاغوت متجبر .. كما يفعل ذلك كثير ممن يسمون أنفسهم دعاة .. متسترين بمصلحة الدعوة ..  فاحيوا في الأمة فقه العجز والاستضعاف .. والركون إلى الظالمين .. وفقه أن الباطل واقع لا بد من الرضى به والتعايش معه .. ولا بد من مد جسور الحوار والتفاهم .. وما حملهم على ذلك إلا حظوظ النفس والهوى .. والطمع بما في أيدي الظالمين من فُتات .. والفرار من تكاليف الدعوة إلى الله!                
شبهة ورد:
من الشبهة التي تُثار حول الموضوع .. أن تغيير المنكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: 
1-  تغيير للمنكر باليد وهو من صلاحيات السلطان ( الخليفة ) وخصوصياته
       وحده ..!
2-  تغيير للمنكر باللسان وهو من صلاحيات العلماء وخصوصياتهم وحدهم ..
      لا ينبغي لغيرهم أن يقوم به أو يُشاركهم فيه!
3-  إنكار المنكر فى القلب .. وهو من خصوصيات عامة المسلمين .. يستوى فى   
     ذلك القوى والضعيف
والجواب على هذا التقسيم من أوجه، منها:
1-  أن هذا التقسيم محدث ما أنزل الله به من سلطان .. لا يوجد عليه دليل صحيح من الكتاب والسنة ولا قول لسلف معتبر .. وعليه فهو تقسيم مردود لا قيمة له لقوله صلى الله عليه وسلم :(من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية:( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو مردود ) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم:( إياكم والمحدثات فإن كل محدثة ضلالة) [رواه أبي عاصم في السنة وصححه الشيخ ناصر في التخريج]. وهذا التقسيم لا شك أنه من المحدثات التي لم يعرفها سلفنا الصالح من قبل.
2-  أن نصوص الكتاب والسنة دلت على خلاف هذا التقسيم كما في قوله تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) التوبة: 71. فالنص عام وشامل لجميع المؤمنين والمؤمنات وهم جميعاً معنيون من هذا الخطاب حيث كل واحد منهم ينبغي أن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب قدرته واستطاعته وبحسب موقعه ومكانته بين أهله وقومه لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن: 16. ولأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
قال ابن تيميه: وهذا ـ أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره فإن مناط الوجوب هو القدرة فيجب على كل إنسان بحسب قدرته  قال  تعالى:( فاتقوا الله ما استطعتم) [الفتاوى: 28/ 65]ا-هـ.
وفي قوله تعالى:) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر(. قال ابن كثير: المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)[التفسير: 1/ 398] .
فقيد تغيير المنكر بوجود الاستطاعة على تغييره لأن انتفاء القدرة يستلزم ارتفاع التكليف إلى حين تحقق القدرة ووجود الاستطاعة[لتغيير المنكر ثلاثة شروط أولاً: أن يكون المرء عالماً بالمنكر الذي يريد أن يغيره لأن جاهل الشيء كفاقده لا يمكن أن يُعطيه وقولنا أن يكون عالماً بالمنكر: لا يعني ولا يستلزم أن يكون عالماً بمجموع مسائل الدين.
ثانياً: أن يكون قادراً على تغييره لأن العجز يرفع التكليف إلى حين تحقق القدرة.
ثالثاً: أن لا يؤدي تغيير المنكر إلى ما هو أنكر منه .. فالضرر يُزال ولا يُزال بضررٍ أكبر .. أو حتى مماثل لأن تغييره حينئذٍ يكون من العبث وتضييع للطاقات والأوقات من غير طائل .. والإسلام منزه عن ذلك!].
وكذلك فإن السنة قد دلت على أن من المنكر ما يغير باليد من دون أن يُحال إلى السلطان كقوله صلى الله عليه وسلم:( من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد) [صحيح سنن الترمذي: 1148].
وقال:( من أريد ماله بغير حق، فقاتل فهو شهيد) [صحيح سنن الترمذي: 1147]. وفي رواية:( من قتل دون مظلمته فهو شهيد) [صحيح سنن النسائي: 3818].
وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال:( فلا تعطه مالك ) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال:( قاتله ).قال: أرأيت إن قتلني قال:( فأنت شهيد ) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال:( هو في النار )  مسلم .
قال الترمذي: قد رخص بعض أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله.
وقال ابن المبارك: يقاتل عن ماله ولو درهمين[صحيح سنن الترمذي: 2/ 62].
قلت: يلتجئ للقتال بعد أن تعدم جميع الوسائل الأخرى الممكنة التي يستطيع من خلالها أن يسترد حقه وينتصف لنفسه.. أما إذا وجد سبيلاً ـ غير القتال ـ يستطيع من خلاله  أن يحصل على حقه ويرد ظلم الظالم المعتدي عنه، فإنه حينئذ يتعين عليه الإمساك عن القتال لانعدام مبرراته ولما يترتب على القتال من مفاسد لا تحمد عقباها.. كما في الحديث عن مخارق قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال:( ذكره بالله ). قال: فإن لم يذكر؟ قال:( فاستعن عليه من حولك من المسلمين ). قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال:( فاستعن عليه بالسلطان ). قال: فإن نأى السلطان عني؟ قال:( قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك ) [صحيح سنن النسائي: 3803].
دل الحديث على أن السلطان خيار من الخيارات .. وأنه إن نأى عن نصرة المظلوم وكان ذلك متعذراً .. وكان المظلوم قادراً على أن يحصل على حقه بيده ونفسه فإنه يشرع له حينئذٍ أن يقاتل دون ماله ومظلمته حتى يحصل على حقه ويستنقذ ماله من غاصبه.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:( من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقئوا عينه ) مسلم. وهذا منكر يغير باليد من دون أن يُرد إلى السلطان.
وكذلك فإن السنة دلت على وجوب ضرب الآباء لأبنائهم على الصلاة وهم أبناء عشر .. وهذا تغيير للمنكر باليد لا علاقة للسلطان به.
وكذلك ضرب الزوج لزوجته ـ ضرباً غير مبرح ـ في حال نشوزها وعصيانها كما قال تعالى:(  وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً( النساء: 34 .  وهذا أيضاً منكر يغير ـ عند الحاجة ـ باليد، لا دخل للسلطان به.
وغيرها كثير من الأدلة التي تدل على خلاف ذلك التقسيم .. والتي تدل على أن كل ابن آدم راعٍ وهو مسئول عن رعيته كما في الحديث:( كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته .. ) متفق عليه. ومن لوازم الرعاية والمسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3-  القول بموجب هذا التقسيم مؤداه إلى إهمال القوة وإلغاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد في زمن غياب السلطان (الخليفة)، وهذا أمر معارض لأبرز صفة من صفات الطائفة المنصورة ـ التي لا يرتبط وجودها بوجود الخليفة ـ  وهي القتال في سبيل الله، وحراسة الدين والفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
منقول عن الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة

ليست هناك تعليقات: