الاثنين، 9 يونيو 2014

منهج الإخوان والقاعدة الفاسدة - يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه

مجـــــــــــــــدى سعـــــــــــــد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى -وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
نتكلم هنا عن أهم قاعدة في منهج حسن البنا الذى ورثته جماعة الإخوان فإن جماع انحراف جماعة الإخوان يكمن في هذه القاعدة الفاسدة التي اتخذها حسن البنا واتخذتها جماعته من بعده شعاراً يتمسكون به ولا يحيدون عنه ويطبقونها في كل الأمور.
هذه القاعدة الفاسدة هي
(يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)

فأرجو أن تعلم يرحمنى ويرحمك الله أن الخلاف نوعان: خلاف سائغ معتبر لا إنكار فيه على المخالف مثال ذلك الخلاف بين العلماء حول إسبال اليد بعد الركوع أو ضمها على الصدر والنوع الثاني من الخلاف هو الخلاف الذي يجب الإنكار فيه على المخالف.
وأعلم أيضاً أنه ليس معنى ذلك أن الحق حقان أو قولان بل يجب أن تعلم رحمك الله أن نصوص القرآن والسنة والتي تخاطب الناس عامة أو المسلمين والمؤمنين خاصة أو غيرهم من المُخاطبين لا يُقصد منها سوى معنى واحد فقط وهو ما يريده الشارع من المُكلفين ولكن هناك من يفهمه فهماً صحيحاً وهناك من يفهمه فهماً سقيماً مصداقاً لقوله تعالى: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) (213البقرة) واعلم أن جُل الخلاف مرجعه إلى البغى وسنبسط الكلام عن هذا الموضوع الهام في مقالات مستقلة إن شاء الله تعالى.
 
فحسن البنا ومن بعده من جماعة الإخوان بتلك القاعدة الفاسدة يجعلون معظم أمور الخلاف هي من باب الخلاف السائغ ومن الخلافات الفرعية التي لا ينكر فيها على المخالف وقد وصل بهم الأمر إلى أنهم جعلوا الخلاف مع الرافضي الشيعي من باب الخلاف السائغ الذي لا يجب الإنكار عليه فيه فحسن البنا جعل الخلافات مع الرافضة من قبيل الخلافات التي يمكن تجاوزها كما يذكر البنا في كتاب ذكريات لا مذكرات لعمر التلمساني ص249 فقد نقل التلمسانى عن حسن البنا ما نصه:( فقال رضوان الله عليه: اعلموا أن السنة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا أصل العقيدة والسنة والشيعة فيه سواء وعلى النقاء أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب بينهما فيها).
وكما يقول حسن البنا فى الأصل الخامس عشر من الأصول العشرين ما نصه: (والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحدٍ من خلقه خلاف فرعى في كيفية الدعاء وليس من أمور العقيدة) في رسالة التعاليم (ص 177).
 
وبالتالي كان من الطبيعي في جماعة الإخوان أن ترى الأشعري إلى جانب السلفي إلى جانب الصوفي بدون أن يجرؤ السلفي على الإنكار على الأشعري أو على الصوفي أو على الرافضي ولا حول ولا قوة إلا بالله فحسن البنا جمع كل من يدعي الإسلام سواء كان صوفياً حلولياً وحدوياً أو كان صوفياً طرقياً أو كان رافضياً شيعياً فأسس فرقته على هذا فكان كمن يخلط الماء بالنار.
 
يقول القرضاوي: (نريد من الفكر الجديد أن يهيل التراب على المشكلات التاريخية التي شغلت الفكر الإسلامي في وقت من الأوقات وبددت طاقته في غير طائل: مشكلة الذات والصفات هل الصفات هي عين الذات أو غيرها؟ أو هي لا عين ولا غير؟ مشكلة خلق القرآن وما ترتب عليها من محنة لأئمة الإسلام المبالغة في الكلام حول التأويل وعدمه بين السلف والخلف والطعن على الأشاعرة والماتريدية ومن وافقهم على نهجهم من رجال الجامعات الدينية في العالم الإسلامي: الأزهر والزيتونة والقرويين وديوبند وغيرها) [أولويات الحركة الإسلامية: ص 100].
 
وإذا كان حسن البنا وجماعة الإخوان يجعلون أمور العقيدة التي أجمع عليها السلف – كما سبق بيانه – من باب الخلاف السائغ الذي لا ينكر فيه على المخالف فما بالكم بحال جماعة الإخوان في باقي أمور الشريعة ؟! فإن حالهم عجباً فحدث ولا حرج فتجد أن كثيراً من أمور الشريعة الوارد فيها أدلة واضحة من الكتاب والسنة يجعلونها من باب الخلاف السائغ بين العلماء الذي لا يجب فيه الإنكار على المخالف ويتشبثون بقول أي عالم في أي عصر من العصور وبزلة أي عالم حتى ولو صادمت النص الشرعي فمثلاً عندهم حلق اللحية والاستماع للموسيقى واختلاط الرجال بالنساء أمور لا ينكر فيها على المخالف ويقولون إنها من باب الخلاف السائغ !!
ويقولون هذا من باب التيسير ولكن هناك فرق بين التيسير والتفريط في أوامر الله تعالى فقد نقلت السيدة عائشة رضى الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم (ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما) رواه البخاري ومسلم.
 
فالصحيح أنه عند مطالعة أقوال العلماء في أي مسألة شرعية أن المسلم يبحث عن القول الأقرب لكلام الله تعالى ولكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أما جماعة الإخوان فمن مشاهدة حال كثير منهم فهم مثلاُ يرون في المسألة ثمانية أقوال فيختارون أيسر الأقوال التي توافق رغبتهم بصرف النظر هل ذلك القول هو الموافق للنص الشرعي أم لا؟ وبصرف النظر هل في المسألة خلاف سائغ أم لا؟
وهكذا هدم حسن البنا وجماعته فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التي قامت عليها خيرية هذه الامة: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (110آل عمران).
وعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، فَلَيَسُومُنَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ لَا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ، وَلَا يُوَقِّرُ كَبِيرَكُمْ"
  وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم} رواه الترمذي وحسنه
وعن جرير رضي الله عنه مرفوعا { ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع لم يغيروا عليه إلا أصابهم الله عز وجل بعذاب } رواه أحمد وغيره .
وعن أبي بكر الصديق قال { يا أيها الناس تقرءون هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله تعالى بعذاب منه } إسناد صحيح رواه جماعة منهم أبو داود والترمذي والنسائي .
 
وعن عتبة بن أبي حكيم عن عمرو بن حارثة عن أبي أمية الشعباني عن أبي ثعلبة أنه سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { بل ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ودع عنك العوام ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجر خمسين رجلا منا أو منهم قال : لا بل أجر خمسين منكم } عتبة مختلف فيه وباقيه جيد رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب وابن ماجه [ ص: 172 ] وزاد بعد قوله برأيه { ورأيت أمرا لا يدان لك به فعليك بخويصة نفسك } وذكره .
ولأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث حذيفة { فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصلاة ، والصيام ، والصدقة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر } .
 
وعن أبي البختري أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لن يهلك الناس أو يعذروا من أنفسهم } إسناد جيد رواه أحمد وأبو داود . يقال أعذر فلان من نفسه إذا أمكن منها يعني أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيستوجبون العقوبة ويكون لمن يعذبهم عذرا كأنهم قاموا بعذره في ذلك ويروى بفتح الياء من عذرته وهو بمعناه وحقيقة عذرته محوت الإساءة وطمستها ويتعلق بالصدق والكذب ما يتعلق بالحق والباطل وله تعلق بهذا .
وعن أبي عبيدة عن ابن مسعود مرفوعا { لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال : لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا } رواه أحمد .
ولأبي داود { ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود } إلى قوله { فاسقون } ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا } زاد في رواية { أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم } وروى [ ص: 173 ] الترمذي وابن ماجه هذا المعنى .
وقال الترمذي حسن غريب .
وروياه أيضا مرسلاً وإسناد هذا الخبر ثقات وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه عندهم .
 
وعن العرس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها وكرهها في رواية فأنكرها كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها } رواه أبو داود من رواية مغيرة بن زياد الموصلي وهو مختلف فيه.
 
راجع فتاوى مفتي الجماعة يوسف القرضاوي هداه الله وعبد الرحمن البر وغيره من قيادات الجماعة وستكون لنا وقفة مفصلة مع يوسف القرضاوى إن شاء الله.
فإلى الله المُشتكى فقد أخذ حسن البنا على جماعته ميثاقاً غليظاً أن لا ينهوا عن المنكر، وحين أراد البنا أن يُعطل شعيرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لم يسمها بهذا الأسم المُنفر بل سماها باسم يستحسنه الناس فسماها (يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) فيغض كل منهم الطرف عن كل ما يقع أمامه من مخالفات سواء كانت اعتقادية أو بدع تعبدية، ثم يتعاونون فيما اتفقوا فيه وهو إقامة دولة تجمع كل المتناقضات العقائدية والفقهية، فحسن البنا أراد أن يؤلف بين قلوب الناس جميعاً على غير ما ألف الله عليه قلوب المؤمنين وأيد بهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وتا الله ليس هناك أفسد من هذه القاعدة الشيطانية نسأل الله أن يعصمنا ويثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة، وأصلى وأسلم وأبارك على سيدى وسيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: