ومما تقدم يعلم خطأ مَن يقدم فهم الخلف على فهم السلف ويقول: عقيدة السلف أسلم أما عقيدة الخلف فهي أحكم ..! مشيراً إلى موقفهما المتباينين تجاه عقيدة الأسماء والصفات حيث أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان يؤمنون بأسماء الله تعالى وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل بينما كثير من الخلف ـ بحجة التنزيه وبحكم انشغالهم بعلم الكلام ومذاهبه ـ تراهم يعطلون الصفات ويؤولونها على غير ظاهرها ومدلولها الشرعي كقولهم في قوله تعالى: ( استوى على العرش ( أي استولى وقهر ففروا من صفة مثبتة في الكتاب والسنة إلى صفة هي من بنات عقولهم وأهوائهم .
والشاهد هنا أن يدرك القارئ مقصودهم من العبارة، بأن الخلف أحكم من السلف وليس مرادنا مناقشة عقيدة الخلف فهذا له موضع آخر [انظر كتاب تهذيب شرح العقيدة الطحاوية ].
ولكن هذا القول: بأن الخلف أحكم من السلف لا بد من أن نثبت فساده وبطلانه [لأن هذه المقولة تكاد أن تكون عند المتأخرين قاعدة من قواعد أصولهم على أساسها يقدمون فهم الخلف على فهم السلف ويردون الآثار السلفية .. ويقوم مجمل تصورهم العقدي والفقهي لذا إثبات بطلانها هو إثبات لبطلان كل ما بني على أساسها لأن ما بني على باطل فهو باطل] وذلك من أوجه:
منها: أن هذا القول يتضمن التكذيب والرد للنصوص الشرعية الصحيحة الدالة على فضل الصحابة على من بعدهم، وفضل الذين بعدهم على من بعدهم .. وفضل من سار على نهجهم ممن جاء بعدهم على من أحدث في الدين وابتدع !
ومنها: أن هذا القول فيه انتقاص صريح من قدر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وطعن خفي بهم .. وقد تقدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الصحابة والخوض فيهم بما لا ينبغي ولا يليق بحقهم وفضلهم!
ومنها: أن الصحابة ـ سلفنا الصالح ـ قد رضي الله عنهم وأثنى عليهم خيراً في كتابه العزيز وكثير منهم مشهود لهم بالجنة بأعيانهم [المعروف عند عامة الناس أن المبشرين بالجنة من الصحابة هم عشرة فقط وهذا غلط وهو بخلاف النصوص الصحيحة التي دلت أن كثير من الصحابة ـ غير العشرة مبشرون بالجنة ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:( لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ) والذين بايعوا تحت الشجرة يزيدون عن ألف وأربعمائة من الصحابة كما تقدم] .. فأين الخلف من هذه الخاصية الفريدة ..؟!
والله تعالى إذ يرضى عن الصحابة فهو يرضى عنهم لسلامة دينهم واعتقادهم ولاستقامتهم على المنهج السوي الصحيح وليس لذواتهم ولنسبهم كما في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات:13
وقال صلى الله عليه وسلم:( إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي وليس كذلك إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا )[ رواه ابن أبي عاصم في السنة وصححه الشيخ ناصر في التخريج]. وهذا المعنى متواتر في دين الله والحمد لله .
وإذا كان الدين الذي كان عليه الصحابة هو السبب في رضى الله عليهم دل أن مخالفتهم فيما كانوا عليه من التدين والفهم والاعتقاد هو مدعاة لغضب الله وليس رضاه والمسلم العاقل هو الذي ينشد ما يرضي الله تعالى عليه وليس ما يسخطه ويغضبه سبحانه وتعالى .
ومنها: أن الشارع أمر بالاقتداء بالسلف الصالح كقوله صلى الله عليه وسلم:( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) وقوله صلى الله عليه وسلم:(أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم) وقوله صلى الله عليه وسلم:(أحفظوني في أصحابي) وأين الخلف ـ وبخاصة منهم من خالف السلف الصالح في الفهم والمنهج ـ من كل ذلك ..؟!
ومنها: أن من عاصر نزول الوحي وأسباب نزول كل آية ورافقوا النبي صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله وتلقوا العلم ـ مباشرة ـ منه غضاً ندياً لاشك أنهم هم الأفقه والأعلم بمراد الشارع من غيرهم ممن فاتتهم هذه الخاصية العظيمة.
ومنها: أن الصحابة ـ كما تقدم في أدلة عديدة ـ حبهم إيمان ودين وبغضهم كفر ونفاق .. فأين الخلف وبخاصة منهم من خالف نهج السلف من ذلك ..؟!
لأجل هذه الأوجه نقول: إن هذه المقولة (الخلف أحكم من السلف) هي عين الظلم والجور وهي اعتداء صريح على من خصهم الله تعالى لنصرة دينه ونبيه وبالتالي لا يجوز للمسلم أن يتفوه بها بصيغة الرضى والمدح.
والذي نجزم به ونلقى الله عليه: أن السلف الصالح رضوان الله عليهم هم الأسلم والأحكم والأفقه والأتقى لله عز وجل والخلف قيمتهم تأتي من جهة إقتدائهم والتزامهم بمنهج وفهم السلف وعلى قدر التزامهم بذلك .. ومن تطاولوا منهم على السلف الصالح بشيء من التعقيب والرد والاعتراض ـ بغير سلطانٍ من الله تعالى ـ فقد حط من قدره بقدر ما تطاول عليهم وهذا الاعتقاد والتصور هو من أبرز ما تتميز به الطائفة الناجية المنصورة عن غيرهم من الطوائف والجماعات
منقول عن الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة
منقول عن الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق